الطرف الثالث ، في : وهو القذف أو نفي الولد ، فمتى سبب اللعان ، فقد قذفها . وإن نسبها إلى وطء حرام من جانبها ، أو جانب الزاني ، فلا حد لها ، ويجب لها التعزير على الأصح [ ص: 343 ] لأن فيه عارا وإيذاء ، فإن كان ولد لاعن لنفيه ، وإلا فيلاعن أيضا على المذهب . ولو عين الزاني فقال : زنى بك فلان وأنت مكرهة ، أو قال : قهرك فلان فزنى بك ، لزمه الحد لقذفه ، وله إسقاطه باللعان ، بخلاف ما لو قذف زوجته ، وأجنبية بكلمة ، فإنه لا يتمكن من إسقاط حد الأجنبية باللعان ، لأن فعلها ينفك عن فعل الأجنبية ، ولا ينفك عن فعل الزاني بها . نسبها إلى زنا هي عليه مكرهة ، أو جاهلة ، أو نائمة
ولو ، ففي وجوب التعزير عليه لها الوجهان فيما لو نسبها إلى الزنا مكرهة ، وإن لم يكن ولد ، فله اللعان لنفي التعزير إن أوجبناه ، وإلا فلا ، وإن كان ولد ، فطريقان : قال لزوجته : وطئت بشبهة
أحدهما : في جواز اللعان وجهان . أصحهما : الجواز ، إلا أنه إذا لم يلاعن ، لحقه الولد ولم يلاعن للقذف .
والطريق الثاني : وهو المذهب ، وبه قال الأكثرون : أنه إن لم يعين الواطئ بالشبهة ، أو عين فلم يصدقه ، لحق الولد بالنكاح ، وله نفيه باللعان ، وإن صدقه وادعى الولد ، عرض على القافة . فإن ألحقه بذلك المعين ، لحقه ولا لعان ، وإلا فيلحق الزوج ، وليس له نفيه باللعان ، لأنه كان له طريق آخر ينتفي به ، وهو أن يلحقه القافة بذلك المعين ، وإنما ينفى باللعان من لا يمكن نفيه بطريق آخر ، فإن لم يكن قائف ، ترك حتى يبلغ الصبي فينتسب إلى أحدهما ، فإن انتسب إلى ذلك المعين ، انقطع نسبه عن الزوج بلا لعان ، وإن انتسب إلى الزوج ، فله نفيه باللعان ، لأنه لا يمكن نفيه بغير اللعان ، هكذا ذكره البغوي وغيره .
ولو ، فهو قاذف لها ، فله إسقاط الحد باللعان ، والولد المنسوب إلى ذلك الواطئ منسوب إلى وطء شبهة ، فإن صدقه فلان ، عرض على القائف كما ذكرناه ، ولو اقتصر على قوله : ليس هذا الولد مني ، فعن صاحب " التقريب " حكاية تردد في جواز اللعان ، وقطع [ ص: 344 ] الجمهور بأنه لا يلتفت إلى ذلك ، ويلحق الولد بالفراش ، إلا أن يسند النفي إلى سبب معين ويلاعن . قال : زنيت بفلان وهو غير زان ، بل ظنك زوجته
فرع
لا يشترط لجواز اللعان أن يقول عن القذف : رأيتها تزني ، بل لو ، أو قال وهي غائبة : فلانة زانية ، جاز اللعان ، ولا يشترط أيضا أن يدعي استبراءها بعد الوطء . قال الأصحاب : ولو أقر بوطئها في الطهر الذي قذفها بالزنا فيه ، جاز له أن يلاعن وينفي النسب ، قال في " البسيط " : ولعل هذا في الحكم الظاهر ، فأما بينه وبين الله تعالى ، فلا يحل له النفي مع تعارض الاحتمال ، ويجوز أن يعول الزوج فيه على أمر يختص بمعرفته كعزل أو قرينة حال . قال : زنيت أو يا زانية
فصل
إذا ، فسيأتي الكلام في أنه يلزمه حد أم حدان إن شاء الله تعالى ، فإن ذكر الرجل في لعانه ، بأن قال : أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان ، سقط حقه ، كما سقط حقها ، سواء أوجبنا حدا أم حدين ، حتى لو قذف زوجته برجل معين ، سقط حق الجميع ، وإن لم يذكر الرجل في لعانه ، لم يسقط حقه على الأظهر ، فعلى هذا إن أراد إسقاطه ، فطريقه أن يعيد اللعان ويذكره ، ولو قذفها بجماعة وذكرهم ، فإن قلنا : الواجب حد واحد ، فقد استوفى ، وإن قلنا : حدان استوفي منه حد آخر ، وله إسقاطه باللعان . امتنع الزوج من اللعان ولا بينة ، فحد بطلبها ثم جاء الرجل يطلب الحد
ولو ابتدأ رجل بطلب حقه ، فهل له أن يلاعن ؟ له وجهان وقد يبنيان على خلاف في أن حقه [ ص: 345 ] يثبت أصلا ، أم تابعا لحقها ؟ وإن عفا الرجل عن حقه ، أو عفت هي ، فللآخر منهما المطالبة ، سواء قلنا : الواجب حد أم حدان ، وله إسقاطه باللعان . وعن : إذا قلنا : حقه تابع ، فلا حد ولا لعان ، والصحيح الأول ، وبمثله أجاب ابن القطان ابن الصباغ ، فيما لو لم يذكر الرجل في لعانها ، وقلنا : لا يسقط حقه فطالب بحقه ، وامتنع الزوج عن إعادة اللعان ، فلا يحد سواء قلنا : يجب لهما حد أم حدان ، لأن الحد لا يتبعض ، ولا يجب باللعان حد الزنا على الرجل المرمي به بحال .
وإذا لاعن لإسقاط حد المرمي به ، قال البغوي : قيل : يتأبد التحريم ، ويحتمل خلافه .
فرع
قذف امرأته عند الحاكم بزيد ، أو قذف أجنبي أجنبيا والمقذوف غائب ففيه ثلاث طرق . أحدها : يستحب للحاكم أن يبعث إلى المقذوف فيخبره بالحال ، ليطالب بحقه إن شاء ، وبهذا قال الشيخ أبو حامد . والطريق الثاني وبه قال الأكثرون : يجب ذلك على الحاكم . والثالث : نقل أبو الفرج السرخسي ، أن رحمه الله نص على أنه يجب ذلك على الحاكم ، ونص أنه لو أقر عنده رجل بدين لزيد ، لا يجب عليه إعلامه . وأن للأصحاب في النصين : ثلاث طرق : الشافعي
أحدها : تنزيل النصين على حالين إن كان من له الحق حاضرا عالما بالحال ، فلا حاجة إلى إخباره في النوعين ، وإن كان غائبا أو غافلا عما جرى ، وجب إعلامه لئلا يضيع حقه . والثاني : تقرير النصين على ظاهرهما ، لأن الإمام يتعلق به استيفاء الحد بخلاف المال . والثالث : جعلهما على قولين بالنقل والتخريج ، وكيفما كان ، فالمذهب وجوب إخبار المقذوف .
[ ص: 346 ] وأما قوله في " مختصر المزني " : وليس للإمام إذا رمي رجل بزنا أن يبعث إليه يسأله عن ذلك ، فمتأول . قيل : المراد : لا يسأله ، هل زنيت ؟ وقيل : المراد : إذا لم يكن الرامي أو المرمي معينا ، بأن قال رجل عند الحاكم : الناس يقولون : زنى فلان ، أو قال : زنى في هذه المحلة رجل ، أو رمي بحجر ، فقال : من رماني به فهو زان ، وهو لا يدري من رماه به . قال ابن سلمة : المراد : إذا رماه تعريضا لا تصريحا ، وعن ابن سريج ، المراد : إذا قذف زوجته بمعين ولاعن ، فلا حاجة إلى إعلامه سواء ذكره في اللعان ، أم لا ، وقلنا : يسقط حده له ، أو لا يسقط ، وقال أبو إسحاق : لا يخبره وإن لم يلاعن ، لأن الزوجة ستطالب ، ومطالبتها تكفي عن مطالبته ، بخلاف ما لو قذف أجنبيا .