الطرف الثاني : في كيفية الإنفاق ، في هذه الواجبات هي ضربان : الأول : ما ينتفع به باستهلاكه كالطعام  وفيه مسائل : إحداها : يجب التمليك في الطعام والأدم ، وما يستهلك من آلة التنظف كالدهن والطين ، وإذا أخذت نفقتها فلها التصرف فيها بالإبدال والبيع والهبة وغيرها ، لكن لو قترت على نفسها بما يضرها فله منعها . ونفقة الخادم يجب فيها التمليك أيضا ، قاله الأصحاب ، وقد سبق أن موضع وجوب نفقة الخادم إذا أخدمها بمملوكتها أو بحرة غير مستأجرة ، فإن كانت مملوكتها ، فيملكها نفقتها كما يملكها نفقة نفسها ، وإن كانت حرة فيجوز أن يقال : يملكها نفقتها كما يملك الزوجة ، وتستحق المرأة المطالبة بذلك لتوفر حق الخدمة ، ويجوز أن يقال : يملك الزوجة لتدفعها إلى الخادمة وعلى هذا لها أن تتصرف في المأخوذ ، وتكفي مؤنة الخادمة من مالها . 
المسألة الثانية : لو قبضت الزوجة النفقة ، فتلفت أو سرقت ، لا يلزمه إبدالها . 
 [ ص: 53 ] الثالثة : الذي يجب تمليكه من الطعام  الحب كما في الكفارة لا الخبز والدقيق ، فلو طلبت غير الحب ، لم يلزمه ، ولو بذل غيره ، لم يلزمها قبوله ، وهل عليه مع الحب مؤنة طحنه وخبزه ؟ أوجه : أحدها : لا كالكفارة ، وبه قطع   ابن كج     . والثاني : إن كانت من أهل القرى الذين عادتهم الطحن والخبز بأنفسهم فلا ، وإلا فنعم ، وبه قال  الماوردي  ، وأصحها : الوجوب مطلقا ، لأنها في حبسه بخلاف الكفارة ، وعلى هذا تجب مؤنة طبخ اللحم وما يطبخ به . ولو باعت الحب ، أو أكلته حبا ، ففي استحقاقها مؤنة إصلاحه احتمالان للإمام . 
الرابعة : ليس له تكليفها الأكل معه لا مع التمليك ولا دونه . 
الخامسة : لو كانت تأكل معه على العادة ، ففي سقوط نفقتها وجهان ، أقيسهما وهو الذي ذكره  الروياني  في " البحر " : لا تسقط وإن جريا على ذلك سنين ، لأنه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره . والثاني : تسقط فإنه اللائق بالباب . قال   الغزالي     : وهذا أحسنهما لجريان الناس عليه في الأعصار ، واكتفاء الزوجات به ، ولأنها لو طلبت النفقة للزمن الماضي والحالة هذه لاستنكر ، وبنى بعضهم هذا على المعاطاة ، إن جعلناها بيعا برئت ذمته عن النفقة ، وإلا فلا ، وعليها غرامة ما أكلت ، ثم الوجهان في الزوجة البالغة ، أو صغيرة أكلت معه بإذن القيم ، فأما إذا لم يأذن القيم ، فالزوج متطوع ، ولا تسقط نفقتها بلا خلاف . 
قلت : الصحيح من الوجهين سقوط نفقتها إذا أكلت معه برضاها وهو الذي رجحه  الرافعي  في " المحرر " وعليه جرى الناس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده من غير نزاع ولا إنكار ولا خلاف ولم ينقل أن امرأة طالبت بنفقة بعده ، ولو كانت لا تسقط مع علم النبي   [ ص: 54 ]   - صلى الله عليه وسلم - بإطباقهم عليه لأعلمهم بذلك ، واقتصه من تركة من مات ولم يوفه وهذا مما لا شك فيه . والله أعلم . 
السادسة : لو تراضيا باعتياضها عن النفقة دراهم أو دنانير أو ثيابا ونحوها  ، جاز على الأصح . ولو اعتاضت خبزا أو دقيقا أو سويقا فالمذهب أنه لا يجوز ، وهو الذي رجحه العراقيون   والروياني  وغيره لأنه ربا ، وقطع  البغوي  بالجواز لأنها تستحق الحب وإصلاحه وقد فعله ، ولا يجوز الاعتياض عن نفقة زمن مستقبل ، ولا بيع نفقة حالة لغير الزوج قبل قبضها قطعا . 
السابعة : النفقة  تستحق يوما فيوما ولها المطالبة بها إذا طلع الفجر كل يوم كذا قاله الجمهور وفي " المهذب " إذا طلعت الشمس . ولو قبضت نفقة يوم ، ثم ماتت ، أو أبانها في أثناء النهار لم يكن له الاسترداد ، بل المدفوع لورثتها لوجوبه بأول النهار . ولو ماتت أو أبانها في أثناء النهار ولم تكن قبضت نفقة يومها كانت دينا عليه . وفي كتاب   ابن كج  له الاسترداد ، والصحيح الأول وبه قطع الجمهور . ولو نشزت في النهار ، فله الاسترداد قطعا ، ولو قبضت نفقة أيام أو شهر فهل تملك الزيادة على نفقة اليوم ؟ وجهان : أحدهما : لا للشك في استمرار الاستحقاق . وأصحهما : نعم ، كالأجرة والزكاة المعجلة ، فعلى هذا لو نشزت ، استرد نفقة المدة الباقية ، وإن ماتت ، أو أبانها ، استرد أيضا على الأصح كالزكاة المعجلة ، وقيل : لا ، لأنها صلة مقبوضة . وإذا قلنا : لا تملك إلا نفقة يوم ، فكلما دخل يوم ملكت نفقته . 
الثامنة : نفقة الخادم  في وقت وجوب التسليم ، وفي استرداد المدفوع إليها كنفقة المخدومة بلا فرق . 
				
						
						
