فصل
إذا ، نظر ، إن أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان ، أو رجله ، لزمه ذلك ، على الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفيه وجه شاذ : يتخير ، إن شاء سجد على الظهر ، وإن شاء صبر ليسجد على الأرض . ثم قال جماهير الأصحاب : إنما يسجد على ظهر غيره ، إذا قدر على رعاية هيئة الساجدين ، بأن يكون على موضع مرتفع . فإن لم يكن ، فالمأتي به ليس بسجود . وفيه وجه ضعيف : أنه لا يضر ارتفاع الظهر ، والخروج عن هيئة الساجدين للعذر . وإذا تمكن من السجود على ظهر غيره فلم يسجد ، فهو تخلف بغير عذر على الأصح . وعلى الثاني : بعذر . ولو لم يتمكن من السجود على الأرض ولا على الظهر ، فأراد أن يخرج عن المتابعة لهذا العذر ، ويتمها ظهرا ، ففي صحتها قولان ، لأنها ظهر قبل فوات الجمعة . قال إمام الحرمين : ويظهر منعه من الانفراد ، لأن إقامة الجمعة واجبة ، فالخروج منها عمدا مع توقع إدراكها [ ص: 19 ] لا وجه له . فأما إذا دام على المتابعة ، فما يصنع ؟ فيه أوجه ، الصحيح : أنه ينتظر التمكن . والثاني : يومئ السجود أقصى ما يمكنه كالمريض . والثالث : يتخير بينهما . فإذا قلنا : بالصحيح ، فله حالان . أحدهما : يتمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية . والثاني : لا يتمكن إلى ركوعه . ففي الحال الأول يسجد عند تمكنه ، فإذا فرغ من سجوده ، فللإمام أحوال أربعة . منعته الزحمة في الجمعة السجود على الأرض مع الإمام في الركعة الأولى
أحدها : أن يكون بعد في القيام ، فيفتتح القراءة ، فإن أتمها ركع معه ، وجرى على متابعته ، ولا بأس بهذا التخلف للعذر . وإن ركع الإمام قبل إتمامها ، فهل له حكم المسبوق ؟ وجهان . وقد بينا حكم المسبوق في باب ( صلاة الجماعة ) .
قلت : أصحهما عند الجمهور : له حكمه . - والله أعلم -
الحال الثاني : للإمام أن يكون في الركوع . فالأصح عند الجمهور : أنه يدع القراءة ، ويركع معه ، لأنه لم يدرك محلها ، فسقطت عنه كالمسبوق . والثاني : يلزمه قراءتها ، ويسعى وراء الإمام ، وهو متخلف بعذر .
الحال الثالث : أن يكون فارغا من الركوع ولم يسلم ، فإن قلنا في الحال الثاني : هو كالمسبوق ، تابع الإمام فيما هو فيه ، ولا يكون محسوبا له ، بل يقوم عند سلام الإمام إلى ركعة ثانية . وإن قلنا : ليس هو كالمسبوق ، اشتغل بترتيب صلاة نفسه . وقيل : يتعين متابعة الإمام قطعا .
الحال الرابع : أن يكون الإمام متحللا من صلاته ، فلا يكون مدركا للجمعة ، لأنه لم يتم له ركعة قبل سلام الإمام ، بخلاف ما لو رفع رأسه من السجود ، ثم سلم الإمام في الحال . قال إمام الحرمين : وإذا جوزنا له التخلف ، وأمرناه بالجريان على ترتيب صلاة نفسه ، فالوجه أن يقتصر على الفرائض ، فعساه يدرك الإمام ، ويحتمل أن يجوز الإتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها . الحال الثاني للمأموم : أن لا يتمكن من السجود حتى ركع الإمام في الثانية ، وفيه [ ص: 20 ] قولان . أظهرهما : يتابعه فيركع معه . والثاني : لا يركع معه بل يسجد ، ويراعي ترتيب صلاة نفسه . فإن قلنا بالأول ، فتارة يوافق ما أمرناه ، وتارة يخالف . فإن وافق وركع معه ، فأي الركوعين يحتسب ؟ وجهان . وقيل : قولان . أصحهما عند الأصحاب : بالركوع الأول . والثاني : بالثاني . فإن قلنا : بالثاني ، حصلت له الركعة الثانية بكمالها . فإذا سلم الإمام ، ضم إليها أخرى ، وتمت جمعة بلا خلاف . وإن قلنا : بالأول ، حصلت ركعة ملفقة من ركوع الأولى ، وسجود الثانية . وفي إدراك الجمعة بالملفقة ، وجهان . أصحهما : تدرك . أما إذا خالف ما أمرناه ، فاشتغل بالسجود وترتيب نفسه ، فإن فعل ذلك مع علمه بأن واجبه المتابعة ، ولم ينو مفارقته ، بطلت صلاته ، ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع . وإن نوى مفارقته ، فقد أخرج نفسه عن المتابعة بغير عذر . وفي بطلان الصلاة به ، قولان سبقا . فإن لم تبطل ، لم تصح جمعته . وفي صحة ظهره خلاف مبني على أن ؟ وعلى أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ؟ وإن فعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فما أتى به من السجود ، لا يعتد به ، ولا تبطل صلاته . ثم إن فرغ والإمام بعد في الركوع ، لزمه متابعته . فإن تابعه وركع معه ، فالتفريع كما سبق لو لم يسجد ، وإن لم يركع معه ، أو كان الإمام فرغ من الركوع ، نظر ، إن راعى ترتيب نفسه ، بأن قام بعد السجدتين ، وقرأ ، وركع ، وسجد ، فالمفهوم من كلام الأكثرين أنه لا يعتد له بشيء مما يأتي به على غير المتابعة . وإذا سلم الإمام ، سجد سجدتين لتمام الركعة ، ولا يكون مدركا للجمعة ، لأن على هذا القول الذي عليه التفريع ، نأمره بالمتابعة بكل حال . وكما لا يحسب له السجود والإمام راكع ، لكون فرضه المتابعة ، وجب أن لا يحسب والإمام في ركن بعد الركوع . وقال الجمعة إذا تعذر إتمامها ، هل يجوز إتمامها ظهرا الصيدلاني ، وإمام الحرمين ، : إذا فعل هذا المذكور ، تم له منهما جميعا ركعة ، لكن فيها نقصانان . أحدهما : التلفيق ، فإن ركوعها من الأولى ، وسجودها من [ ص: 21 ] الثانية ، وفي الملفقة الخلاف . والثاني : نقصها بالقدوة الحكمية ، فإنه لم يتابع الإمام في معظم ركعته متابعة حسية ، بل حكمية . وفي إدراك الجمعة بالركعة الحكمية ، وجهان ، كالملفقة ، أصحهما : الإدراك ، وليس الخلاف في مطلق القدوة الحكمية ، فإن السجود في حال قيام الإمام ، ليس على حقيقة المتابعة ، ولا خلاف أن الجمعة تدرك به . هذا كله إذا جرى على ترتيب نفسه بعد فراغه من السجدتين اللتين لم يعتد بهما . فأما إذا فرغ منهما والإمام ساجد ، فتابعه في سجدتيه ، فهذا هو الذي نأمره به في هذه الحالة على هذا القول ، فتحسبان له ، ويكون الحاصل ركعة ملفقة ، وإن وجد الإمام في التشهد ، وافقه . فإذا سلم ، سجد سجدتين وتمت له الركعة ، ولا جمعة له ، لأنه لم يتم له ركعة والإمام في الصلاة . وكذا يفعل لو وجده قد سلم . هذا كله إذا قلنا : يتابع الإمام . أما إذا قلنا : لا يتابعه بل يسجد ويراعي ترتيب نفسه ، فله حالان . والغزالي
أحدهما : أن يخالف ما أمرناه ، فيركع مع الإمام . فإن تعمد ، بطلت صلاته ، ويلزمه أن يحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع ، وإن كان ناسيا ، أو جاهلا يعتقد أن الواجب عليه الركوع مع الإمام ، لم تبطل صلاته ، ولم يعتد بركوعه . فإذا سجد معه بعد الركوع ، حسبت له السجدتان على الصحيح ، وعلى الشاذ لا يعتد بهما . فعلى الصحيح تحصل ركعة ملفقة . وفي الإدراك بها الوجهان .
الحال الثاني : أن يوافق ما أمرناه فيسجد ، فهذه قدوة حكمية . وفي الإدراك بها ، الوجهان . فإذا فرغ من السجود ، فللإمام حالان .
أحدهما : أن يكون فارغا من الركوع ، إما في السجود ، وإما في التشهد ، فوجهان . أحدهما : يجري على ترتيب نفسه ، فيقوم ، ويقرأ ، ويركع . وأصحهما : يلزمه متابعة الإمام فيما هو فيه ، فإذا سلم الإمام ، اشتغل بتدارك ما عليه ، وبهذا [ ص: 22 ] قطع كثير من أصحابنا العراقيين وغيرهم . فعلى هذا ، لو كان الإمام عند فراغه من السجود قد هوى للسجود فتابعه ، فقد والى بين أربع سجدات : فهل المحسوب لإتمام الركعة الأولى ، السجدتان الأوليان ، أم الأخريان ؟ وجهان . أصحهما : الأوليان . والثاني : الأخريان . فعلى هذا ، يعود الخلاف في الملفقة .
الحال الثاني : للإمام أن يكون راكعا بعد . فهل عليه متابعته ، وتسقط عنه القراءة كالمسبوق ؟ أو يشتغل بترتيب صلاة نفسه فيقرأ ؟ وجهان كما ذكرنا تفريعا على القول الأول . فعلى الأول ، يسلم معه ، وتتم جمعته . وعلى الثاني : يقرأ ويسعى ليلحقه ، وهو مدرك للجمعة .