المسألة الثالثة : لو كان لمسلم على حربي دين ، فاسترق ، لم يسقط الدين ، فلو كان الدين للسابي ، ففي سقوطه الوجهان فيمن كان له دين على عبد غيره فملكه ، وإذا لم يسقط ، قضى من الغنيمة بعد استرقاقه ، ويقدم الدين على الغنيمة ، كما يقدم على الوصية ، وإن زال ملكه بالرق ، كما أن الدين على المرتد يقضى من ماله ، وإن أزلنا ملكه ، ولأن الرق كالموت والحجر ، وكلاهما يعلق الدين بالمال ، فإن غنم المال قبل استرقاقه ، ملكه الغانمون ، ولم يقض منه الدين ، كما لو انتقل ملكه بوجه آخر ، وإن غنم مع استرقاقه ، فوجهان ، أحدهما : يقدم الدين ، كما يقدم في التركة ، وأصحهما : تقدم الغنيمة ، لتعلقها بالعين ، كما يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن ، وليس من المعية أن يقع الاغتنام مع الأسر ؛ لأن المال يملك بنفس الأخذ ، والرق لا يحصل بنفس الأسر في [ ص: 256 ] الرجال الكاملين ، ولكن يظهر ذلك في النسوة ، وفيما إذا وقع الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر ، وإذا لم يوجد مال يقضي منه الدين ، فهو في ذمته إلى أن يعتق ، وهل يحل الدين المؤجل بالرق ؟ وجهان مرتبان على الخلاف في الحلول بالإفلاس ، وأولى بالحلول ؛ لأنه يشبه الموت من حيث إنه يزيل الملك ، ويقطع النكاح ، هذا إن كان الدين لمسلم ، فإن كان لذمي ، فمثله أجاب الإمام ، وقال : دين الذمي محترم ، كعين ماله ، وذكر البغوي فيه وجهين ، وإن كان الحربي ، واسترق المدين ، فالمحكي عن القاضي حسين وهو الظاهر : سقوط الدين وفيه احتمال للإمام ، هذا إذا استرق من عليه الدين ، أما إذا استرق من له الدين ، فلا تبرأ ذمة المدين ، بل هو كودائع الحربي المسبي ، هذا لفظه في " الوسيط " ولم ينص والحالة هذه على حال من عليه الدين ، وذكر الإمام هذا الجواب فيما إذا استقرض مسلم من حربي ، أو اشترى منه شيئا والتزم الثمن ثم استرق المستحق ، قال : لا يسقط .
وفي " التهذيب " أنه لو كان لحربي على حربي دين ، واسترق من أحدهما ، سقط لزوال ملكه ، قال : ولو قهر المدين رب الدين ، سقط ؛ لأن الدار دار حرب ، حتى إذا قهر العبد سيده يصير حرا ويصير السيد عبدا له ، ولو قهرت امرأة زوجها ، ملكته ، وانفسخ النكاح ، وقد يفهم من هذه الجملة أنه إن كان دين المسترق على مسلم ، طولب به ، كما يطالب بودائعه ؛ لأنه ملتزم ، وإن كان على حربي ، سقط ؛ لأن المستحق زال ملكه ، والحربي غير ملتزم حتى يطالب ، ولو اقترض من حربي ، أو التزم بالشراء ثمنا ، ثم أسلما ، أو قبلا الجزية ، أو الأمان ، فالاستحقاق مستمر ، وكذا يبقى مهر الزوجة إذا أسلما إن لم يكن خمرا ونحوه ، ولو سبق المستقرض إلى الإسلام أو الأمان ، فالنص أن الدين يستمر ، كما لو أسلما ، ونص أنه لو ماتت زوجة حربي ، فجاءنا مسلما ، أو [ ص: 257 ] مستأمنا ، فجاء ورثتها يطلبون مهرها ، لم يكن لهم شيء ، وللأصحاب طريقان ، أحدهما : فيهما قولان ، أظهرهما : يبقى الاستحقاق ، وعلى هذا تبتنى قواعد نكاح المشركات ، والثاني : المنع ، لأنه يبعد أن يمكن الحربي من مطالبة مسلم أو ذمي ، والطريق الثاني : القطع بالقول الأول ، وحمل النص الثاني على من أصدقها خمرا ، وقبضته في الكفر ، ولو أتلف حربي مالا على حربي ، أو غصبه ، ثم أسلما ، أو أسلم المتلف ، فوجهان ، أصحهما : لا يطالبه بالضمان ، لأنه لم يلتزم شيئا ، والإسلام يجب ما قبله ، والإتلاف ليس عقدا يستدام ، ولأن الحربي لو قهر حربيا على ماله ملكه ، والإتلاف نوع من القهر ، ولأن إتلاف مال الحربي لا يزيد على إتلاف مال المسلم ، وهو لا يوجب الضمان على الحربي ، والثاني : يطالب ، لأنه لازم عندهم ، فكأنهم تراضوا عليه ، ويزيد على هذا ما نقل عن القاضي حسين أن الحربي لو جنى على مسلم ، فاسترق ، فأرش الجناية في ذمته ، قال الإمام : هذا إخلال من ناقل ، أو هفوة من القاضي .