الشرط الخامس : ، فالكفار ثلاثة أصناف . أحدها : أهل كتاب ، ومنهم : كونه كتابيا اليهود والنصارى ، فيقرون بالجزية ، فلو إبراهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم ، فهل يقرون بالجزية ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، ومنهم من قطع به ، ولا تحل زعم قوم أنهم متمسكون بصحف على المذهب عملا بالاحتياط في المواضع الثلاثة ، وقيل بطرد الخلاف في حل الذبيحة والمناكحة إلحاقا لكتبهم بكتاب مناكحتهم وذبيحتهم اليهود ، وحكي ذلك عن وغيره ، وإذا ألحقناهم القاضي أبي الطيب باليهود ، فإن تحققنا صدقهم ، أو أسلم اثنان منهم ، وشهدوا بذلك ، فذاك ، وعن صاحب الحاوي أن المعتبر قول جماعة تحصل الاستفاضة بقولهم ، وإن شككنا في أمرهم ، كالمجوس .
الصنف الثاني : المجوس ، فيقرون بالجزية ، وهل كان لهم كتاب أم شبهة كتاب ؟ قولان سبقا في النكاح ، أظهرهما : الأول وقطع به بعضهم .
[ ص: 305 ] الثالث : من ليس له ولا شبهة ، كعبدة الأوثان والملائكة والشمس ، ومن في معناهم ، فلا يقرون بالجزية ، سواء فيهم العربي والعجمي .
فرع
اليهود والنصارى يقرون بالجزية ، مهما دخل آباؤهم في اليهود أو التنصر قبل تبدل ذلك الدين ، ولا فرق بين أولاد المبدلين وغيرهم ، ولو بعد مبعث نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، لم يقروا ، هم ولا أولادهم ، لأنهم تمسكوا بدين باطل ، وقال دخل وثني في يهودية أو نصرانية المزني : يقرون ، والتهود بعد بعثة عيسى - صلى الله عليه وسلم - كالتهود والتنصر بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - على الأصح ، وقد ذكرناه في النكاح ، وإن دخلوا فيه بعد التبديل وقبل النسخ ، فطريقان ، أحدهما : إن تمسك بما لم يحرف ، قرر ، وإن تمسك بمحرف ، لم يقرر هو ولا أولاده ، وهل في الأولاد قولان ، وبهذا الطريق قال العراقيون والبغوي وآخرون ، والثاني : يقرون بلا تفصيل ولا خلاف ، وهذا الطريق يدير الحكم على الدخول قبل النسخ وبعده ، وهو اختيار ، ابن كج والقاضي أبي الطيب ، والإمام ، ، قال والروياني : لا أحفظ الشرط المذكور القاضي أبو الطيب ، إنما فرق في كتبه بين ما قبل نزول القرآن وما بعده ، وهذا أصح ، قال الإمام : لأنهم وإن بدلوا فمعلوم أنه بقي فيه ما لم يبدل ، فلا تنحط عن شبهة كتاب للشافعي المجوس ، أو تغليبا لحقن الدم ، ولو لم نعرف أدخلوا قبل النسخ أو بعده ، أو قبل التبديل أو بعده ، قررناهم بالجزية كالمجوس .
فرع
المذهب أن السامرة والصابئين إن خالفوا اليهود والنصارى في [ ص: 306 ] أصول دينهم فليسوا منهم ، وإلا فمنهم ، وهكذا نص عليه ، وعليه يحمل النصان الآخران ، وقيل : قولان مطلقا ، وقيل : تؤخذ منهم الجزية قطعا ، وهذا فيما إذا لم يكفرهم اليهود والنصارى ، فإن كفروهم ، لم يقروا قطعا ، فإن أشكل أمرهم ، ففي تقررهم احتمالان ذكرهما الإمام ، الأصح : الجواز .
فرع
لو ، أو أن آباءهم تمسكوا بذلك الدين قبل التبديل ، قررهم بالجزية ، لأنه لا يعرف الأمر إلا من جهتهم ، قال أحاط الإمام بقوم ، فزعموا أنهم أهل كتاب ابن الصباغ : ويشترط عليهم إن بان خلاف قولهم ، نبذ عهدهم وقاتلهم ، وإن ادعاه بعضهم دون بعض ، عامل كل طائفة بمقتضى قولها ، ولا يقبل قول بعضهم على بعض ، فلو أسلم منهم اثنان ، وظهرت عدالتهما ، وشهدا بخلاف دعواهم ، نبذ عهدهم ، هذا لفظ جماعة وقال الإمام : يتبين أنه لا ذمة لهم ، وهل يغتالهم لتلبيسهم علينا أم يلحقهم بالمأمن ؟ فيه تردد ، والظاهر : اغتيالهم لتدليسهم ، وكذا لو أسلم من السامرة أو الصابئين اثنان ، فشهدا بكفرهم .
فرع
من أحد أبويه كتابي والآخر وثني ، فيه طرق ، والمذهب : تقريره ، سواء كان الكتابي الأب أو الأم ، وقيل : قولان ، وقيل : لا يقرر ، وقيل : يلحق بالأب ، وقيل : بالأم .
فرع
، فإن كانت أمهم نصرانية ، استمر لهم حكم التنصر ، فتقبل منهم الجزية بعد بلوغهم ، وإن كانت وثنية ، [ ص: 307 ] ففي تقريرهم بالجزية قولان ، أظهرهما : نعم ، لأنه ثبت لهم علقة التنصر فلا تزول ، وحقيقة القولين ترجع إلى أن توثنه هل يستتبع أولاده ؟ فإن أتبعناهم ، لم يغتالوا ، لأنهم كانوا في أمان ، ولم تؤخذ منهم جزية ، وأما أبوهم ، فيبنى حكمه على ما سبق في كتاب النكاح أنه هل يقنع منه بالعود إلى دينه أم لا يقنع إلا بالإسلام ، فإن أباهما ، فيقتل أم يلحق بالمأمن ؟ قولان الأظهر : الثاني . توثن نصراني وله أولاد صغار
فرع
الولد المنعقد من مرتدين ، هل هو مسلم ، أم مرتد ، أم كافر أصلي ؟ فيه أقوال سبقت في الردة ، فإن قلنا : مسلم ، فبلغ وصرح بالكفر ، فمرتد ، وإن قلنا : أصلي ، فالصحيح أنه لا يقر بجزية .
فرع
يهود خيبر كغيرهم في ضرب الجزية عليهم ، وسئل ابن سريج - رحمه الله - عما يدعونه أن عليا - رضي الله عنه - كتب لهم كتابا بإسقاطها ، فقال : لم ينقل ذلك أحد من المسلمين ، وفي " البحر " أن أسقط الجزية عنهم ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساقاهم ، وجعلهم بذلك خولا ، قال : وهذا شيء تفرد به ، والمساقاة معاملة لا تقتضي إسقاط الجزية . ابن أبي هريرة
فصل
تضرب عليهم الجزية كغيرهم على المذهب والمنصوص ، لأن الجزية كأجرة الدار ، وقيل : إن قلنا : لا يقتلون ، فلا جزية ، كالنساء ، وأما الزمن والشيخ الفاني ، والأجير والراهب والأعمى ، فالمشهور المنصوص في عامة كتبه ، أن عليه جزية ، وفي قول : [ ص: 308 ] موسر ، أخذناها منه ، وإلا فهي في ذمته حتى يوسر ، وكذا حكم الحول الثاني وما بعده ، وفي وجه : لا يمهل ولا يقر في دارنا ، بل يقال : إما أن تحصل الجزية بما أمكنك ، وإما أن نبلغك المأمن ، لأنه قادر على رفع الجزية بالإسلام ، وإذا قلنا : لا يجب ، عقدنا له الذمة على شرط إجراء الأحكام عليه ، وبذل الجزية عند القدرة ، فإذا أيسر ، فهو أول حوله ، هكذا قاله الأصحاب ، وأشار الإمام إلى أن ابتداء الحول من وقت العقد . الفقير العاجز عن الكسب
فرع
، لا يقر بالجزية . الجاسوس الذي يخاف شره