الفصل الثاني : في جوازا ولزوما حكم المناضلة
وفي كونها لازمة أو جائزة قولان كما سبق في المسابقة ، فإن قلنا : تلزم ، انفسخت بموت أحدهما ، كالأجير المعين ، ولو مرض أحدهما ، أو أصابه رمد ونحوه ، لم ينفسخ العقد ، بل يؤخر الرمي ، وفي المسابقة يحصل الانفساخ بموت الفرس ، لأن التعويل عليه ، ولا يحصل بموت الفارس ، بل يقوم الوارث مقامه ، وقيل : فيه احتمال ، لأن للفارس أثرا ظاهرا ، وإلزام الوارث على المسابقة كالمستبعد ، ولا يجوز لها إلحاق زيادة في عدد الأرشاق ولا عدد الإصابات ، وطريقهما إن أرادا ذلك أن يفسخا العقد ، ويستأنفا عقدا ، وليس للمناضل أن يترك النضال ويجلس ، بل يلزم به كمن استؤجر لخياطة ونحوها ، ويحبس على ذلك ويعزر ، هذا إذا كان مفضولا أو كان له الفضل ، [ ص: 387 ] ولكن توقع صاحبه أن يدركه ، فيساويه أو يفضله ، أما إذا لم يتوقع الإدراك بأن شرطا إصابة خمسة من عشرين ، فأصاب أحدهما خمسة ، والآخر واحدا ولم يبق لكل واحد إلا رميتان ، فلصاحب الخمسة أن يجلس : ويترك الباقي ، هذا تفريع قول اللزوم ، أما إذا قلنا بالجواز فتتفرع عليه مسألتان ، إحداهما : تجوز ، وفي الجميع وجه ليس بشيء ، وهل يستبد أحدهما بالزيادة ؟ ثلاثة أوجه ، أصحها : نعم ، لجواز العقد ، فإن لم يرض صاحبه فليفسخ ، والثاني : لا ، إذ لا بد في العقد من القبول ، والثالث : يجوز الإلحاق للفاضل والمساوي دون المفضول لئلا يتخذ المفضول ذلك ذريعة إلى إبطال النضال ، ومتى يصير مفضولا ؟ وجهان ، أحدهما : متى زاد صاحبه بإصابة واحدة ، وأصحهما : لا تكفي إصابة وإصابتان ، بل لا يصير مفضولا إلا إذا قرب صاحبه من الفوز . واعلم أن الوجه المذكور في أنه لا يجوز إلحاق الزيادة والنقص بالتراضي ، والوجه الآخر في أنه ليس لأحدهما الاستبداد يطردان في المسابقة وإن لم يذكرهما هناك ، وفي الجعالة إذا زاد الجاعل في العمل كان متهما كالمفضول ، ففي زيادته الخلاف ، فإن لم تلحق الزيادة بها ، فذاك ، وإن ألحقناها وقد عمل العامل بعض العمل ولم يرض بالزيادة ، فسخ العقد ، قال الإمام : والوجه أن تثبت له أجرة المثل ، لأن الترك بسبب الزيادة بخلاف ما إذا ترك في أثناء العمل بلا عذر ، فإنه لا يستحق شيئا . الزيادة في عدد الأرشاق والإصابات ، وفي المال بالتراضي
[ ص: 388 ] المسألة الثانية : يجوز لكل منهما على هذا القول ، وكذا الفسخ إذا لم يكن المعرض مفضولا متهما ، فإن كان ، فهل له أن يجلس ويترك النضال ؟ وجهان كما ذكرنا في المسابقة ، قال الإمام : وفي جواز فسخه الخلاف المذكور في الزيادة ، ويفضي الأمر إذا فرقنا بين المفضول وغيره إلى أن الحكم بأن العقد جائز مطلقا مقصور على ما إذا لم يصر أحدهما مفضولا ، فإن صار ، لزم في حقه ، وبقي الجواز في حق الآخر ، وهذا الخلاف في نفوذ فسخ المفضول طرد في فسخ الجاعل الجعالة بعدما عمل العامل بعض العمل ، وكانت حصة عمله من المسمى تزيد على أجرة المثل ، ولو تأخير الرمي والإعراض عنه من غير فسخ ، فسد العقد إن قلنا بلزومه ، وكذا إن قلنا بجوازه وقلنا : ليس للمفضول الترك ، وإن قلنا : له ذلك لم يضر شرطه ، لأنه مقتضى العقد . ولو شرطا في العقد أن لكل واحد أن يجلس ويترك الرمي إن شاء ، فهو فاسد على القولين ، لأن السبق إنما يشرع في العمل ، ولو تناضلا ، ففضل أحدهما الآخر بإصابات ، فقال المفضول : حط فضلك ، ولك علي كذا ، لم يجز على القولين ، سواء جوزنا إلحاق الزيادة أم لا ، لأن حط الفضل لا يقابل بمال . شرطا أن المسبق إن جلس كان عليه السبق