[ ص: 42 ] الباب الثالث 
في كيفية إقامة الجمعة بعد شرائطها 
الجمعة ركعتان كغيرها في الأركان ، وتمتاز بأمور مندوبة . 
أحدها : الغسل يوم الجمعة  سنة ، ووقته بعد الفجر على المذهب . وانفرد في ( النهاية ) بحكاية وجه : أنه يجزئ قبل الفجر كغسل العيد ، وهو شاذ منكر . ويستحب تقريب الغسل من الرواح إلى الجمعة    . ثم الصحيح : إنما يستحب لمن يحضر الجمعة . والثاني : يستحب لكل أحد كغسل العيد . فإذا قلنا بالصحيح ، فهو مستحب لكل حاضر ، سواء من تجب عليه ، وغيره . 
قلت : وفيه وجه : أنه إنما يستحب لمن تجب عليه وحضرها ، ووجه لمن تجب عليه وإن لم يحضرها لعذر . - والله أعلم - . 
ولو أحدث بعد الغسل ، لم يبطل الغسل ، فيتوضأ . 
قلت : وكذا لو أجنب بجماع أو غيره ، لا يبطل ، فيغتسل للجنابة . - والله أعلم - . 
قال  الصيدلاني  ، وعامة الأصحاب : إذا عجز عن الغسل لنفاد الماء بعد الوضوء ، أو لقروح في بدنه ، تيمم وحاز الفضيلة . قال إمام الحرمين : هذا الذي قالوه ، هو الظاهر ، وفيه احتمال . ورجح   الغزالي  هذا الاحتمال . 
 [ ص: 43 ] فرع : من الأغسال المسنونة ، أغسال الحج ، وغسل العيدين ، ويأتي في مواضعها - إن شاء الله تعالى - . وأما الغسل من غسل الميت  ، ففيه قولان . القديم : أنه واجب ، وكذا الوضوء من مسه . والجديد : استحبابه ، وهو المشهور . فعلى هذا ، غسل الجمعة  ، والغسل من غسل الميت ، آكد الأغسال المسنونة ، وأيهما آكد ؟ قولان . الجديد : الغسل من غسل الميت آكد . والقديم : غسل الجمعة وهو الراجح عند صاحب ( التهذيب ) ،   والروياني  ، والأكثرين . ورجح صاحب ( المهذب ) وآخرون الجديد . وفي وجه : هما سواء . 
قلت : الصواب ، الجزم بترجيح غسل الجمعة ، لكثرة الأخبار الصحيحة فيه . وفيها الحث العظيم عليه ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( غسل الجمعة واجب   ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل   ) . وأما الغسل من غسل الميت ، فلم يصح فيه شيء أصلا . ثم من فوائد الخلاف ، ولو حضر إنسان معه ماء ، يدفعه لأحوج الناس وهناك رجلان ، أحدهما يريده لغسل الجمعة ، والآخر للغسل من غسل الميت . - والله أعلم - . 
وأما الكافر إذا أسلم ، فإن كان وجب عليه غسل بجنابة ، أو حيض ، لزمه الغسل ولا يجزئه غسله في الكفر على الأصح ، كما سبق في موضعه . وإلا ، استحب له الغسل للإسلام    . وقال  ابن المنذر     : يجب . ووقت الغسل ، بعد الإسلام على الصحيح ، وعلى الوجه الضعيف : يغتسل قبل الإسلام . 
قلت : هذا الوجه غلط صريح ، والعجب ممن حكاه ، فكيف بمن قاله ،   [ ص: 44 ] وقد أشبعت القول في إبطاله والشناعة على قائله في ( شرح المهذب ) وكيف يؤمر بالبقاء على الكفر ليفعل غسلا لا يصح منه ؟ ! - والله أعلم - . 
ومن الأغسال المسنونة ، الغسل للإفاقة من الجنون والإغماء    . وقد تقدم في باب الغسل حكاية وجه في وجوبهما . والصحيح : أنهما سنة . ومنها : الغسل من الحجامة  ، والخروج من الحمام . ذكر صاحب ( التلخيص ) عن القديم استحبابهما ، والأكثرون لم يذكروهما . قال صاحب ( التهذيب ) : قيل : المراد بغسل الحمام ، إذا تنور . قال : وعندي أن المراد به أن يدخل الحمام فيعرق ، فيستحب أن لا يخرج من غير غسل . 
قلت : وقيل : الغسل من الحمام ، هو أن يصب عليه ماء عند إرادته الخروج تنظفا ، كما اعتاده الخارجون منه . والمختار : الجزم باستحباب الغسل من الحجامة والحمام . فقد نقل صاحب ( جمع الجوامع ) في منصوصات   الشافعي  أنه قال : أحب الغسل من الحجامة والحمام ، وكل أمر غير الجسد ، وأشار   الشافعي  ، إلى أن حكمته ، أن ذلك يغير الجسد ويضعفه ، والغسل يشده وينعشه . قال أصحابنا : يستحب الغسل لكل اجتماع  ، وفي كل حال تغير رائحة البدن . - والله أعلم - . 
الأمر الثاني : استحباب البكور إلى الجامع  ، والساعة الأولى أفضل من الثانية ، ثم الثالثة فما بعدها . وتعتبر الساعات من طلوع الفجر على الأصح . وعلى الثاني : من طلوع الشمس . والثالث : من الزوال . ثم ، ليس المراد على الأوجه   [ ص: 45 ] بالساعات الأربع والعشرين ، بل ترتيب الدرجات ، وفضل السابق على الذي يليه ، لئلا يستوي في الفضيلة رجلان جاءا في طرفي ساعة . 
والأمر الثالث : التزين  ، فيستحب التزين للجمعة ، بأخذ الشعر ، والظفر ، والسواك ، وقطع الرائحة الكريهة ، ويلبس أحسن الثياب ، وأولاها البيض . فإن لبس مصبوغا ، فما صبغ غزله ، ثم نسج كالبرد ، لا ما صبغ منسوجا . 
ويستحب أن يتطيب بأطيب ما عنده  ، ويستحب أن يزيد الإمام في حسن الهيئة  ، ويتعمم ، ويرتدي . ويستحب لكل من قصد الجمعة ، المشي على سكينة  ما لم يضق الوقت ، ولا يسعى إليها ، ولا إلى غيرها من الصلوات ، ولا يركب في جمعة ، ولا عيد ، ولا جنازة ، ولا عيادة مريض ، إلا لعذر . وإذا ركب ، سيرها على سكون . 
الأمر الرابع : يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بعد ( الفاتحة ) : سورة ( الجمعة ) . وفي الثانية : ( المنافقين )    . وفي قول قديم : إنه يقرأ في الأولى : ( سبح اسم ربك الأعلى    ) . وفي الثانية : ( هل أتاك حديث الغاشية    ) 
قلت : عجب من  الإمام الرافعي     - رحمه الله - ، كيف جعل المسألة ذات قولين ، قديم وجديد ؟ ! والصواب : أنهما سنتان . فقد ثبت كل ذلك في ( صحيح  مسلم     ) من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يقرأ هاتين في وقت ، وهاتين في وقت . ومما يؤيد ما ذكرته ، أن  الربيع     - رحمه الله - ، وهو راوي الكتب الجديدة قال : سألت   الشافعي     - رحمه الله - عن ذلك ، فذكر أنه يختار ( الجمعة ) و ( المنافقين ) ولو قرأ ( سبح ) و ( هل أتاك ) كان حسنا . - والله أعلم - . 
فلو نسي سورة ( الجمعة ) في الأولى ، قرأها مع ( المنافقين ) في الثانية ، ولو قرأ ( المنافقين ) في الأولى ، قرأ ( الجمعة ) في الثانية . 
قلت : ولا يعيد ( المنافقين ) في الثانية . وقوله : لو نسي ( الجمعة ) في الأولى ، معناه : تركها ، سواء كان ناسيا ، أو عامدا ، أو جاهلا . - والله أعلم - . 
				
						
						
