فصل 
الشهادة على الملك  تنبني على ثلاثة أمور وهي اليد والتصرف   [ ص: 269 ] والتسامح ، فأما اليد فلا تفيد بمجردها جواز الشهادة على الملك ، لكن إذا رأى الشيء في يده ، جاز أن يشهد له باليد ، وشرط  البغوي  لذلك أن يراه في يده مدة طويلة ، وحكى الإمام قولا أنه لا تجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد ، والمشهور الأول ، وأما التصرف المجرد ، فكاليد المجردة لا يفيد جواز الشهادة بالملك ، فإن اجتمع يد وتصرف فإن قصرت المدة ، فهو كاليد المجردة ، وإن طالت ، ففي جواز الشهادة له بالملك وجهان ، أصحهما : الجواز ، صححه  البغوي  ، ونقله الإمام عن اختيار الجمهور ، وعن الشيخ  أبي محمد  القطع به ، فلو انضم إلى اليد والتصرف الاستفاضة ، ونسبة الناس الملك إليه جازت الشهادة بالملك بلا خلاف . 
ونقل  الروياني  قولا أنه لا تجوز الشهادة على الملك حتى يعرف سببه وهو شاذ ضعيف . وأما الاستفاضة وحدها ، فهل تجوز الشهادة على الملك بها ؟ وجهان أقربهما إلى إطلاق الأكثرين الجواز ، والظاهر أنه لا يجوز ، وهو محكي عن نصه في حرملة ، واختارها  القاضي حسين  ، والإمام   الغزالي  وهو الجواب في " الرقم " . 
واعلم أن جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة مشهورة في المذهب ، فلعل من لا يكتفي به يكتفي بانضمام أحد الأمرين من اليد والتصرف إليه ، أو يعتبرهما جميعا ، لكن لا يعتبر طول المدة فيهما ، وإذا انضما إلى الاستفاضة ، وإلا فهما كافيان إذا طالت المدة على الأصح ، ولا يبقى للاستفاضة أثر ، ويشترط في جواز الشهادة بناء على اليد أو اليد والتصرف أن لا يعرف له منازعا فيه ، ونقل   ابن كج  وجهين في أن منازعة من لا حجة معه هل تمنع ؟ 
فرع 
طول مدة اليد والتصرف يرجع فيه إلى العادة ، وقيل : أقلها سنة ،   [ ص: 270 ] والصحيح الأول ، وعن الشيخ  أبي عاصم  أنه إن زادت على عشرة ، فطويلة ، وفيما دونها وجهان ، والقول في عدد المخبرين هنا وامتداد المدة كما سبق في النسب ، ونقل   ابن كج  وجهين في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبرين . 
فرع 
ذكر   ابن كج  أنه تجوز الشهادة على اليد بالاستفاضة ، وقد ينازع فيه ، لامكان مشاهدة اليد . 
فرع 
لا يكفي أن يقول الشاهد : سمعت الناس يقولون : إنه لفلان  ، وكذا في النسب ، وإن كانت الشهادة مبنية عليه ، بل يشترط أن يقول : أشهد بأنه له ، وبأنه ابنه ؛ لأن قد يعلم خلاف ما سمعه من الناس ، لكن عن الشيخ  أبي عاصم  أنه لو شهد رجل بالملك ، وآخر بأنه في يده مدة طويلة وتصرف فيه بلا منازع ، تمت الشهادة . وقال الشارح لكلامه : هذا مصير منه إلى الاكتفاء بذكر السبب ، والصحيح الأول . 
فرع 
سواء في الشهادة على الملك بالاستفاضة والتصرف العقار والثوب والعبد وغيرها إذا ميز الشهود به عن أمثاله . 
فرع 
التصرف المعتبر في الباب تصرف الملاك من السكنى ، والدخول والخروج ، والهدم والبناء ، والبيع والفسخ بعده والرهن ، وفي مجرد الإجارة وجهان ، لأنها وإن تكررت قد تصدر ممن استأجر مدة طويلة ومن الموصى له بالمنفعة ، وليجر هذا الخلاف في الرهن ؛ لأنه قد يصدر   [ ص: 271 ] من مستعير ، والأوفق لإطلاق الأصحاب الاكتفاء ؛ لأن الغالب صدورها من المالكين ، ولا يكفي التصرف مدة واحدة ؛ لأنه لا يحصل ظنا . 
فرع 
لا يثبت الدين بالاستفاضة على الصحيح . 
فرع 
في قبول شهادة الأعمى فيما يشهد فيه بالاستفاضة  وجهان ، قال  ابن سريج  والجمهور : تقبل إلا أن شهادته إنما تقبل إذا لم يحتج إلى تعيين وإشارة بأن يكون الرجل معروفا باسمه ونسبه الأدنى ، ويحتاج إلى إثبات نسبه الأعلى وصور أيضا في النسب الأدنى بأن يصف الشخص ، فيقول : الرجل الذي اسمه كذا ، وكنيته كذا ، ومصلاه ومسكنه كذا ، هو فلان ابن فلان ، ثم يقيم المدعي بينة أخرى أنه الذي اسمه كذا ، وكنيته كذا إلى آخر الصفات ، وصورته في الملك أن يشهد الأعمى بدار معروفة أنها لفلان ابن فلان ، ويمكن أن يقال : الوجه القائل بأن شهادته لا تقبل ، مخصوص بما إذا سمع من عدد يمكن اتفاقهم على الكذب ، فأما إذا حصل السماع من جمع كبير ، فلا حاجة فيه إلى المشاهدة ، ومعرفة حال المخبرين . 
فرع 
ما جازت الشهادة به اعتمادا على الاستفاضة ، جاز الحلف عليه  اعتمادا عليها بل أولى ؛ لأنه يجوز الحلف على خط الأب دون الشهادة . 
				
						
						
