فصل 
في حد الدعوى الصحيحة ، وشرطها أن تكون معلومة ملزمة    . 
الأول العلم بالمدعى به ، فإن كان نقدا اشترط ذكر جنسه ونوعه وقدره ، قال  ابن الصباغ     : وإن اختلف الصحاح والمكسرة بين أنها صحاح أو مكسرة ، ومطلق الدينار ينصرف إلى الدينار الشرعي ، ولا حاجة إلى بيان وزنه ، وإن كان غير نقد ، نظر إن كان عينا وهي مما تضبط بالصفة ، كالحبوب والحيوان والثياب ، وصفها بصفات السلم ، ولا يشترط ذكر القيمة في الأصح ، وإن كانت تالفة كفى الضبط بالصفات إن كانت مثلية ، ولا يشترط ذكر القيمة ، وإن كانت متقومة ، اشترط ذكر القيمة ؛ لأنها الواجب عند التلف . 
وإن ادعى سيفا محلى  ، اشترط ذكر قيمته ، ويقومه بالذهب إن كان محلى بالفضة ، وبالفضة   [ ص: 9 ] إن كان محلى بالذهب ، فإن كان محلى بهما ، قومه بأحدهما للضرورة ، وفي الدراهم والدنانير المغشوشة يدعي مائة درهم من نقد كذا قيمتها كذا دينارا . أو دينارا من نقد كذا قيمته كذا درهما . 
هكذا ذكره الشيخ  أبو حامد  وغيره ، وكأنه جواب على أن المغشوش متقوم ، فإن جعلناه مثليا ، فينبغي أن لا يشترط التعرض للقيمة ، وفي العقار يتعرض للناحية والبلدة ، والمحلة والسكة ، وتبين الحدود ، ويستثنى من اشتراط العلم صور : 
إحداها : إنما يعتبر إذا طلب معينا ، فأما من حضر ليعين ، ويفرض له القاضي ، كالمفوضة تطلب الفرض على قولنا : لا يجب المهر بالعقد ، والواهب يطلب الثواب ، فلا يتصور الإعلام . 
الثانية : قال : أدعي أن مورثك أوصى لي بثوب ، أو بشيء تسمع الدعوى ؛ لأن الوصية تحتمل الجهالة ، فكذا دعواها ، وألحق ملحقون دعوى الإقرار بالمجهول بدعوى الوصية ، ومنهم من ينازع كلامه فيه ، ويصح دعوى الإبراء عن المجهول إن صححنا الإبراء عن المجهول . 
الثالثة : ادعى أن له طريقا في ملك غيره ، وادعى حق إجراء الماء ، قال القاضي  أبو سعيد     : الأصح أنه لا يحتاج إلى إعلام قدر الطريق والمجرى ، ويكفي لصحة الدعوى تحديد الأرض التي يدعي فيها الطريق والمجرى ، وكذا لا تصح الشهادة المرتبة عليها . 
وقال   أبو علي الثقفي     : يشترط إعلام قدر الطريق والمجرى ، وقال : وكذا لو باع بيتا من دار ، وسمى له طريقا ، ولم يبين قدره لا يصح ، قال القاضي : وعندي أنه لا يشترط هذا الإعلام في الدعوى ، لكن يؤخذ على الشهود إعلام الطريق والمسيل بالذرعان ؛ لأن الشهادة أعلى شأنا ، فإنها تستقل بقوة   [ ص: 10 ] إيجاب الحكم بخلاف الدعوى . 
ولو أحضر المدعي ورقة ، وحرر فيها دعواه ، وقال : أدعي ما فيها ، وأدعي ثوبا بالصفات المكتوبة فيها ، ففي الاكتفاء به لصحة الدعوى وجهان . 
الشرط الثاني : كونها ملزمة ، فلو قال : وهب لي كذا أو باع ، لم تسمع دعواه حتى يقول : ويلزمه التسليم إلي لأنه قد يهب ويبيع ، وينقضها قبل القبض هكذا نقله  الروياني   والغزالي  وغيرهما . 
ويقرب منه ما ذكره القاضي  أبو سعد  أنه يقول في دعوى الدين : لي في ذمته كذا ، وهو ممتنع من الأداء الواجب عليه ، قال : وإنما يتعرض لوجوب الأداء ؛ لأن الدين المؤجل لا يجب أداؤه في الحال ، وكان هذا إذا قصد بالدعوى تحصيل المدعى ، ويجوز أن يكون المقصود بالدعوى دفع المنازعة ، ولا يشترط التعرض لوجوب التسليم . 
قال  ابن الصباغ     : لو قال هذه الدار لي وهو يمنعنيها  ، صحت الدعوى ، ولا يشترط أن يقول : هي في يده ؛ لأنه يجوز أن ينازعه ، وإن لم تكن في يده ، وإذا ادعى ولم يقل للقاضي : مره بالخروج عن حقي ، أو سله جواب دعواي ، فهل يطالبه القاضي ؟ وجهان ، قال  ابن الصباغ     : الأصح نعم ، للعلم بأنه الغرض من الحضور وإنشاء الدعوى ، قال القاضي  أبو سعد     : الأصح لا ؛ لأنه حقه ، فلا يستوفى إلا باقتراحه كاليمين . 
قلت : الأول أقوى . والله أعلم . 
فعلى هذا الثاني طلب الجواب شرط آخر في صحة الدعوى ، وسواء شرطنا هذا الاقتراح ، أم لم نشرطه فاقترحه ، فيمكن أن   [ ص: 11 ] يقال : يغني ذلك عن قوله : ويلزمه التسليم إلي ، وأن من شرطه بناه على أنه لا يشترط الاقتراح المذكور . 
فرع 
لا يشترط لصحة الدعوى أن يعرف بينهما مخالطة أو معاملة  ، ولا فرق فيه بين طبقات الناس ، فتصح دعوى دنيء على شريف ، وقال  الإصطخري     : إن شهدت قرائن الحال بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه ، مثل أن يدعي الدنيء استئجار الأمير أو الفقيه لعلف الدواب ، أو كنس بيته ، ومثله دعوى المعروف بالتعنت ، وجر ذوي الأقدار إلى القضاة ، وتحليفهم ليفتدوا منه بشيء . 
فرع 
ادعى عليه مالا ، وقام ، وأقام شاهدين شهدا على إقراره بشيء ، أو قالا : نعلم أن له عليه مالا ، ولا نعلم قدره ، ففي سماع شهادتهما هكذا وجهان ، حكاهما  البغوي  وغيره ، أحدهما : نعم ، ويرجع في التفسير إلى المشهود عليه ، كما لو أقر بمبهم ، وأصحهما : لا ، ويجريان فيما لو شهدا بغصب عبد ، أو ثوب ، ولم يصفاه . 
فرع 
عن فتاوى  القفال     : ادعى دراهم مجهولة  لا يسمع القاضي دعواه ، ويقول له : بين الأقل الذي تتحققه ، وإن ادعى ثوبا ولم يصفه أيضا ، لم يصغ إليه ، بل لو قال : هو كرباس ولم يصف ، أمره أن يأخذ   [ ص: 12 ] بالأقل وهذا فيه إرشاد وتلقين ، ثم الأخذ بالأقل في قدر الدراهم مستقيم ، لكن الأخذ بالأقل من صفة ثوب عينه لا وجه له . 
				
						
						
