الطرف الثاني : في ، فإن حلف على فعل نفسه ، حلف على البت ، سواء كان يثبته أم ينفيه ؛ لأنه يعلم حال نفسه ، وإن حلف على فعل غيره ، فإن حلف على إثباته ، حلف على البت ، وإن حلف على نفيه ، حلف أنه لا يعلمه ، وقد يختصر ، فيقال : اليمين على البت إلا إذا حلف على نفي فعل غيره ، فإذا ادعى عليه مالا ، فأنكر حلف على البت ، وإن حلف على نفيه ، حلف على البت ، فإن ادعى إبراء أو قضاء ، وأنكر المدعي ، حلف على البت ، ولو ادعى وارث على رجل أن لمورثي عليك كذا ، فقال المدعى عليه : أبرأني ، أو قضيته ، حلف المدعي على نفي العلم بإبراء المورث وقبضه ، ولو كان في يده دار ، فقال رجل : غصبها مني أبوك أو بائعك ، فأنكر ، حلف على نفي العلم [ ص: 35 ] لغصبه ، ولو ادعى رجل على وارث الميت دينا على الميت ، لم يكف ذكر الدين ووصفه ، بل يذكر مع ذلك موت من عليه ، وأنه حصل في يده من التركة ما يفي بجميعه أو ببعضه ، وأن يعلم دينه على مورثه ، وهكذا كل ما يحلف المنكر فيه على العلم يشترط في الدعوى عليه التعرض للعلم ، فيقول : غصب مني مورثك كذا ، وأنت تعلم أنه غصبه ، ثم إذا تعرض لجميع ذلك ، فإن أنكر الوارث الدين ، حلف على نفي العلم ، فإن نكل ، حلف المدعي على البت ، وإن أنكر موت من عليه ، فهل يحلف على نفي العلم أم على البت ؛ لأن الظاهر اطلاعه عليه ، أم يفرق بين تعهده حاضرا أم غائبا ؟ فيه أوجه ، أصحها : الأول ، وإن أنكر حصول التركة عنده ، حلف على البت ، وإن أنكر الدين ، وحصول التركة معا وأراد أن يحلف على نفي التركة وحده ، وأراد المدعي تحليفه على نفي التركة ، ونفي العلم بالدين جميعا ، حلف عليهما ؛ لأن له غرضا في إثبات الدين ، فلعله يظفر بوديعة للميت أو دين فيأخذ منه حقه . ولو ادعى على رجل أن عبدك جنى علي بما يوجب كذا ، وأنكر فهل يحلف على نفي العلم أم على البت ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني ؛ لأن عبده ماله ، وفعله كفعله ، ولذلك سمعت الدعوى عليه ، ولو ادعى أن بهيمتك أتلفت لي زرعا أو غيره حيث يجب الضمان ، فأنكر ، حلف على البت ؛ لأنه لا ذمة لها ، والمالك لا يضمن بفعل البهيمة ، بل بتقصيره في حفظها وهو أمر يتعلق بالحالف ، ولو نصب البائع وكيلا ليقبض الثمن ، ويسلم المبيع ، فقال له المشتري : إن موكلك أذن في تسليم المبيع ، وترك حق الجنس ، وأنت تعلم ، فهل يحلف على البت ، أم على نفي العلم ؟ قولان ، اختيار أبي زيد البت ؛ لأنه يثبت لنفسه استحقاق اليد على المبيع . كيفية الحلف
قلت : نفي العلم أقوى . والله أعلم .
[ ص: 36 ] ولو طلب البائع تسليم المبيع ، فادعى حدوث عجز عنه ، وقال للمشتري : أنت عالم به ، فأنكر ، حلف على البت ؛ لأنه يستبقي بيمينه وجوب تسليم المبيع إليه ، ولو مات عن ابن في الظاهر ، فقال آخر : أنا أخوك والميراث بيننا ، فأنكر ، حلف على البت ؛ لأن الأخوة رابطة بينهما ، فهو حالف في نفسه ، هكذا ذكر الصورتين ، ونازعه آخرون ، وقالوا : يحلف على نفي العلم . ابن القاص
قلت : نفي العلم هو الصحيح . والله أعلم .
فرع
ما حلف فيه على البت لا يشترط لجوازه اليقين ، بل يجوز البت بناء على ظن مؤكد يحصل من خطه أو خط أبيه ، أو نكول خصمه .
فرع
لو استحلفه القاضي على البت حيث يكون اليمين بنفي العلم ، فقد مال عن العدل .
فرع
النظر في اليمين إلى نية القاضي المستحلف وعقيدته ، وأما النية والتورية والتأويل على خلاف قصد القاضي لا يغني ، ولا يدفع إثم اليمين الفاجرة ، ولو استثنى ، أو وصل باللفظ شرطا بقلبه ونيته أو بلسانه ، ولم يسمعه الحاكم ، فكذلك ، وإن سمعه عزره ، وأعاد اليمين عليه ، وإن وصله بكلام لم يفهمه القاضي منعه منه ، وأعاد اليمين [ ص: 37 ] عليه ، فإن قال : كنت أذكر الله تعالى قيل له : ليس هذا وقته ، وأما العقيدة ، فإذا ادعى حنفي على شافعي شفعة الجار ، والقاضي يرى إثباتها ، وأنكر المدعى عليه ، فليس له أن يحلف عملا باعتقاده ، بل عليه اتباع القاضي ، ويلزمه في الظاهر ما ألزمه القاضي ، وهل يلزمه في الباطن ؟ وجهان ، الصحيح باتفاقهم : نعم ، والثاني : لا ، وعن صاحب " التقريب " أن القضاء في المجتهد فيه ينفذ في حق المقلد ظاهرا وباطنا ، ولا ينفذ في حق المجتهد باطنا ، فلو حلفه المجتهد على حسب اجتهاده لم يأثم .
قلت : هذا إذا حلفه القاضي أو نائبه ، أما إذا حلف الإنسان ابتداء ، أو حلفه غير القاضي من قاهر ، أو خصم ، أو غيرهما ، فالاعتبار بنية الحالف بلا خلاف ، وينفعه التورية قطعا ، سواء حلف بالله تعالى ، أو بطلاق وعتاق وغيرهما صرح به الماوردي ، ونقله ابن الصباغ عن الأصحاب ذكراه في كتاب الطلاق . والله أعلم .