فصل
إذا ، فقال طلب المدعي يمين المدعى عليه عند الحاكم للحاكم : قد حلفني مرة على هذا بطلبه ، فليس له تحليفي ، فإن حفظ القاضي ما قاله لم يحلفه ، ومنع المدعي مما طلب ، وإن لم يحفظه حلفه ، ولا ينفعه إقامة البينة عليه ، لما سبق أن القاضي متى تذكر حكمه أمضاه ، وإلا فلا يعتمد بينة ، وعن جواز سماع البينة فيه ، حكاه ابن القاص الهروي ومقتضاه الطرد في كل باب ، وإن قال : حلفني عند قاض آخر وأطلق ، وأراد تحليفه على ذلك ، فوجهان ، قال بالمنع ، إذ لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه حلفه على أنه ما حلفه ، وهكذا فيدور الأمر ، ولا ينفصل ، وأصحهما - وبه قطع ابن القاص البغوي وغيره - يمكن منه ؛ لأنه محتمل غير مستبعد ، ولا يسمع مثل ذلك من المدعي ، لئلا [ ص: 43 ] يتسلسل ، فعلى هذا إن كانت له بينة أقامها وتخلص عن الخصومة ، وإن استمهل ليقيم ، فقياس البينات الدوافع أن يمهل ثلاثة أيام ، وعن القاضي حسين أنه لا يمهل أكثر من يوم ، وإن لم يكن بينة ، حلف المدعي أنه ما حلفه ، ثم يطلب المال ، فإن نكل حلف المدعى عليه ، وسقطت الدعوى . فلو أراد أن يحلف يمين الأصل لا يمين التحليف المردودة عليه ، قال البغوي : ليس له ذلك إلا بعد استئناف الدعوى ؛ لأنها الآن في دعوى أخرى . ولو قال المدعي في جواب المدعى عليه : حلفني مرة على أني ما حلفته ، وأراد تحليفه ، لم يجب ؛ لأنه يؤدي إلى ما لا يتناهى ، ولو ادعى مالا على رجل ، فأنكر وحلف ، ثم قال المدعي بعد أيام : حلفت يومئذ ؛ لأنك كنت معسرا لا يلزمك تسليم شيء إلي وقد أيسرت الآن فهل يسمع لإمكانه ، أم لا لئلا يتسلسل ؟ وجهان .
قلت : الأصح أنه يسمع إلا إذا تكرر . والله أعلم .
فرع
إنما ، فإن لم يطلب ، ولم يقلع عن المخاصمة ، لم يحلفه القاضي ، ولو حلف لم يعتد بتلك اليمين ، وقال يحلف المدعى عليه إذا طلب المدعي يمينه : لا يتوقف التحليف على طلبه ، والصحيح الأول ، ولو امتنع من تحليفه بالدعوى السابقة جاز ؛ لأنه لم يسقط حقه من اليمين ، فإن قال : أبرأتك عن اليمين ، سقط حقه من اليمين في هذه الدعوى ، وله استئناف الدعوى وتحليفه . القفال الشاشي