فرع
، فإن لم يكذب الوارث الشاهدين ، واقتصر على أنه أوصى بعتق هذا ، عتق الأول بموجب البينة ، وأقرع بينه وبين الثاني ، لإقرار الوارث ، فإن خرجت القرعة للأول ، لم يعتق الثاني ، وإن خرجت للثاني ، عتق ، ولم يرق الأول ; لأنه مستحق العتق بالبينة ، فلا يتمكن الوارث من إبطاله بالإقرار ، وقد تعمل القرعة في أحد الطرفين دون الآخر كما سبق . وإن أقر الوارث أنه أعتق الثاني ، وكذب الشهود في الأول ، عتقا جميعا ، الأول بالشهادة ، والثاني بالإقرار . شهد اثنان على ميت أنه أوصى بعتق عبده سالم وهو ثلث ماله ، وقال الوارث : أوصى بعتق غانم وهو ثلثه
ولو شهد أجنبيان بأنه أوصى بإعتاق عبد هو ثلث ماله ، وشهد وارثان بأنه أوصى بإعتاق آخر ، فإن كذب الوارثان الأجنبيين ، عتقا عتقا ، وإلا أقرع كما سبق .
ثلاثة إخوة في أيديهم أمة وولدها ، وهو مجهول النسب ، قال أحدهم : هي أم ولدي ، وهو ولدي منها ، وقال الثاني : هي أم ولد أبينا ، والولد أخونا ، وقال الثالث : هي أمتي ، وولدها عبدي ، فالكلام في أحكام الأول نسب الولد ، فلا يثبت من أبيهم . وأما ثبوته [ ص: 162 ] من الذي استلحقه ، فإن قلنا : إن من استلحق عبدا مجهول النسب ، لحقه ، ثبت نسبه منه ، وإلا فلا ، على الأصح . الثاني : القائل هي أم ولد أبينا ، لا يدعي لنفسه شيئا على الآخرين ، فلا يحلفهما ، لكن إن ادعت الأمة ذلك ، وأنها عتقت لموت الأب ، حلفهما أنهما لا يعلمان الأب أولدها ، وأما الآخران ، فكل واحد منهما يدعي ما في يد صاحبه ، هذا يقول : هي مستولدتي ، وذلك يقول : ملكي ، فيحلف كل واحد الآخر على نفي ما يدعيه في الثلث الذي في يده .
الثالث : القائل : هي أم ولد أبينا ، لا غرم له ; لأنه لا يدعي لنفسه شيئا ولا عليه ، والذي يدعي الاستيلاد يلزمه الغرم للذي يدعي الملك لاعترافه بأنه فوت عليه نصيبه من الأمة والولد ، هكذا عللوه ومقتضاه أن يكون الصورة فيما إذا سلم أنه كان لمدعي الرق منها نصيب بالإرث أو غيره ، وإلا فلا يلزم من قوله : مستولدتي كونها مشتركة من قبل . وكم يغرم ؟ وجهان بناء على أن الجارية في يد من هي ؟ وفيه وجهان : أحدهما : لا يد عليها للقائل : مستولدة أبينا ; لأنها حرة بزعمه ، فتكون في يد الآخرين . وأصحهما في يد الثلاثة حكما ، فعلى الأول يلزمه لمدعي الرق نصف قيمتها وقيمة الولد ، وعلى الأصح ثلث قيمتهما ، وبه أجاب ابن الحداد .
الرابع : الولد حر بقول من يقول : مستولدة الأب ، ومن يقول : مستولدتي ، قال الشيخ أبو علي : ويعتق عليه نصيب مدعي الرق ونصيبه من الجارية ، هكذا ينبغي أن يكون .
[ ص: 163 ] فرع
قال لعبديه : أحدكما حر ، ثم غاب أحدهما ، فقال للذي لم يغب وعبد ثالث : أحدكما حر ، ثم مات قبل البيان ، قال الأستاذ أبو إسحاق : يقرع بين الأولين ، فإن خرج سهم العتق للذي غاب ، عتق ، وتعاد القرعة بين الآخرين ، فمن خرجت له ، عتق أيضا . وإن خرجت أولا للذي لم يغب ، عتق ، ولا تعاد ; لأن تعيين القرعة كتعيين المالك ، ولو عين الذي لم يغب للعتق ، ثم قال له وللآخر : أحدكما حر ، كان صادقا ، ولم يقتض ذلك عتق الآخر . وقال الماسرجسي : إن خرجت القرعة للذي لم يغب ، تعاد ; لأنه يحتمل أنه أراد بقوله : الثاني الذي حضر آخرا ، فإن خرجت القرعة الثانية للذي لم يغب أيضا ، لم يعتق ، وإن خرجت للآخر ، عتق أيضا ، ومال الإمام إلى هذا ، ورجح الشيخ أبو علي الأول .
فرع
له أربع إماء ، فقال : كلما وطئت واحدة منكن ، فواحدة منكن حرة ، ثم وطئ إحداهن ، عتقت إحداهن . وهل تدخل الموطوءة في العتق المبهم ؟ يبنى على الوجهين السابقين في أن الوطء هل يكون تعيينا للملك في الموطوءة والعتق في غيرها ؟ إن قلنا : نعم وعليه فرع ابن الحداد ، فأول الوطء لا يتضمن التعيين ; لأن العتق معلق به ، وما لم [ ص: 164 ] يوجد ، لا يثبت استحقاق العتق . فلو نزع بمجرد تغييب الحشفة ، دخلت الموطوءة في العتق المبهم ، وإن استدام ، فهل تتضمن الاستدامة التعيين وإخراج الموطوءة عن استحقاق العتق ؟ وجهان ، أحدهما هو قول أبي زيد : نعم ، فيقرع بين الثلاث البواقي ، وأصحهما وبه قال ابن الحداد : لا ; لأنه وطء واحد ، ولهذا لا يستحق بالاستدامة عتق آخر فيقرع بين الأربعة ، وهذا كمن قال لأمته : إن وطئتك فأنت حرة ، فوطئ ونزع في الحال ، لا يلزمه مهر ، وإن استدام ، فوجهان كنظيره في الحلف بالطلاق .
وإن وطئ ثلاثا منهن ، واستدام ، عتق بكل وطء أمة ، فإن جعلنا الوطء تعيينا ، والاستدامة متضمنة للتعيين ، عتقت الأولى والثانية والرابعة بلا قرعة ، ورقت الثالثة ; لأنه لما وطئ الأولى فبتغييب الحشفة ثبت عتق واحدة ، فإذا استدام ، خرجت هي عن الاستحقاق ، لتعينها للملك ، والثانية والثالثة تعينتا للملك بوطئهما فتعينت الرابعة للعتق ، وبوطء الثانية ثبت حق العتق لها ; لأن الرابعة علقت بالوطء الأول ، فإذا استدام خرجت هي عن الاستحقاق وخرجت الثالثة أيضا بوطئها ، فتعينت الأولى للعتق فإذا وطئ الثالثة ، لم تبق إلا هي والثانية ، واستدامة الوطء فيها إمساك ، فيعين العتق في الثانية ، وإن جعلنا الوطء تعيينا ، ولم نجعل الاستدامة تعيينا ، أقرع بين الأولى والرابعة ; لأنه أمسك الثانية والثالثة بوطئهما للملك ، فإن خرجت القرعة للرابعة ، عتقت ، بوطء الثانية يستحق عتق آخر ، لكن لا حظ فيه للرابعة ; لأنها عتقت بالوطء الأول ، ولا للثالثة ; لأنه أمسكها بالوطء ، فهو إذا متردد بين [ ص: 165 ] الأولى والثانية ، فيقرع بينهما ، فمن خرجت لها القرعة ، عتقت ، وبوطء الثالثة يستحق عتق آخر ، ولا حظ فيه للرابعة ، ولا لمن عتق من الأولى والثانية ، فإن عتقت الأولى ، أقرعنا بين الثانية والثالثة ، وإن عتقت الثانية ، أقرعنا بين الأولى والثالثة ، وإن خرجت القرعة الأولى للأولى دون الرابعة ، عتقت ، وبوطء الثانية يتردد العتق بينها وبين الرابعة ; لأن الأولى عتقت ، والثالثة تعينت بالوطء للإمساك ، فمن خرجت لها القرعة ، عتقت ، وبوطء الثالثة يستحق عتق آخر لا حظ فيه للأولى ، ولا لمن عتقت والثانية والرابعة ، فإن عتقت الثانية ، أقرعنا بين الثالثة والرابعة ، وإن عتقت الرابعة ، أقرعنا بين الثانية والثالثة ، وإذا قلنا : الوطء ليس بتعيين ، أقرع ثلاث مرات ، لاستحقاق العتق لثلاث منهن ، يقرع بوطء الأولى بين الأربع بسهم عتق وثلاثة أسهم رق ، فإن خرجت الرابعة ، عتقت ، ولا مهر لها ; لأنه لم يطأها ، وإن خرجت الأولى ، عتقت ، وهل تستحق المهر ؟ يبنى على أن استدامة الوطء هل يوجب مهرا ؟ وإن خرجت للثانية أو الثالثة ، عتقت ، ولها المهر ، لأنا تبينا أنه وطئها بعد حصول عتقها ، ثم يقرع لوطء الثانية بين الثلاث البواقي بسهم عتق ، وسهمي رق ، فإن خرجت للرابعة ، فلا شيء لها ، وإن خرجت للثانية ، ففي استحقاقها المهر الوجهان . وإن خرجت الثالثة ، استحقت ، وإن خرجت القرعة الحرية في المرة الأولى للثانية ، أقرعنا لوطء الثانية بين الأولى والثالثة والرابعة ، فإن خرج سهم العتق للأولى ، فلا مهر لها بلا خلاف ; لأن عتقها متأخر عن وطئها ، وإن خرج للرابعة ، فكذلك ; لأنه لم يطأها . [ ص: 166 ] وإن خرج للثالثة ، فلها المهر ، لأنا تبينا أنها عتقت قبل وطئها ، ثم يقرع لوطء الثالثة بين الباقيين بسهم عتق ، وسهم رق ، فإن بقيت الثالثة والرابعة ، فلا مهر ، وإن خرجت للثالثة ، فهل لها المهر ؟ فيه الوجهان ، وإن بقيت الأولى والثانية ، فلا مهر لمن خرجت لها القرعة منهما ، لتقدم وطئها على عتقها ، وفيه وجه أنه يقرع بين الأربع دفعة واحدة بثلاثة أسهم عتق ، وسهم رق ، فتعتق ثلاث ، وترق واحدة ، وهذا صحيح لمعرفة الرق والعتق ، ولكن لا يصرف به المهر - وموضع الخلاف فيه والوفاق .
ولو وطئ الأربع ، عتقن كلهن ، ونحتاج للمهر إلى الإقراع ثلاث مرات بين الأربع مرة بسهم عتق ، وثلاثة أسهم رق ، ثم مرة بين ثلاث منهن بسهم عتق ، وسهمي رق ، ثم مرة بين الباقيتين بسهم عتق ، وسهم رق ، واستيعاب الاحتمالات يطول . وضابطه أن ينظر في كل قرعة ، فمن بان أنها عتقت قبل وطئها ، فلها المهر ، وفيمن عتقت بوطئها الوجهان .
أما إذا قال : كلما وطئت واحدة منكن ، فواحدة من صواحبها حرة ووطئهن ، فإن قلنا : الوطء يعين الملك في الموطوءة ، عتقت الرابعة بوطء الأولى ، والأولى بوطء الثانية ، والثانية بوطء الثالثة ، ورقت الثالثة . وإن قلنا : لا يعين ، عتق ثلاث ، ورقت واحدة ، فيقرع لوطء الأولى بين الثلاث البواقي ، فإن خرجت القرعة للثانية ، عتقت ، ثم يقرع لوطء الثانية بين الأولى والثالثة والرابعة ، فإن خرجت للأولى أو للرابعة ، عتقت . وإذا وطئ الثالثة ، عتقت الباقية من الثلاث وهي الأولى أو الرابعة ، وإن خرجت الثانية للثالثة ، عتقت . فإذا وطئ الثالثة ، عتقت الباقية منهن [ ص: 167 ] وهي الأولى أو الرابعة ، وإن خرجت القرعة الثانية للثالثة ، عتقت ، فإذا وطئ الثالثة ، أقرع بين الأولى والرابعة . وأما المهر ، فلا يجب لمن عتقت بعد الوطء ، ويجب لمن بان عتقها قبله . وفي هذه الصورة لا يعتق الموطوءة بوطئها بحال . واعلم أن الإقراع في جميع هذه الصورة فيما إذا مات قبل البيان ، فأما في حياته ، فيؤمر بالبيان .