الخصيصة الخامسة : ، وفيه طرفان . الولاء
الأول : في سببه ، وهو زوال الملك عن رقيق بالحرية ، فمن أعتق عبدا تنجيزا ، أو بصفة ، أو دبره ، أو استولدها ، فعتقا بموته ، أو عتق عليه بأداء نجوم الكتابة ، أو الإبراء منها ، أو التمس من مالك عبد عتقه على مال ، فأجابه ، أو أعتق نصيبه من مشترك ، وسرى ، أو ملك قريبه فعتق عليه ، ثبت له عليه الولاء .
ولو باع عبد نفسه ، فله عليه الولاء على المذهب ، وسواء اتفق دينهما أو اختلف . فلو أعتق مسلم كافرا أو عكسه ، ثبت الولاء ، وإن لم يتوارثا ، كما تثبت علقة النكاح والنسب بينهما . ثم الولاء مختص بالإعتاق ، فمن أسلم على يديه إنسان فلا ولاء له عليه ، ومن أعتق عن غيره بغير إذنه ، وقع العتق عن المعتق عنه ، وله الولاء دون المعتق . والولاء كالنسب لا يجوز بيعه ، ولا هبته ، ولا يورث ، لكن يورث به .
ولو ، لغا الشرط ، وثبت الولاء ، وكذا لو شرط أن ولاءه لفلان أو للمسلمين ، لغا ، ولا ينتقل الولاء عنه ، كما لا ينتقل النسب ، ولا يثبت الولاء بالموالاة والحلف ، كما لا يثبت النسب بذلك ، وكما يثبت الولاء على المعتق ، يثبت على أولاده وأحفاده ، وعلى عتيقه وعتيق عتيقه ، وكما يثبت للمعتق يثبت لمعتق الأب وسائر الأصول ، ولمعتق المعتق ، وكما يثبت على ولده العتيق ، يثبت على ولد العتيقة ، ويستثنى من استرسال الولاء على أولاد [ ص: 171 ] العتيق وأحفاده موضعان : أحدهما : إذا كان منهم من مسه رق وأعتق ، فولاؤه لمعتقه ، فإن لم يكن ، فلعصبات معتقه ، فإن لم يوجدوا ، فالميراث لبيت المال ، ولا ولاء عليه لمعتق الأصول بحال ، فإنه أعتق مباشرة ، وولاء المباشرة أقوى . وصورتهم أن تلد رقيقة رقيقا من رقيق أو حر ، وأعتق الولد وأبواه أو أمه . أعتق عبدا على أن لا ولاء له عليه ، أو على أن يكون سائبة
الثاني : من أبوه حر أصلي لا ولاء عليه ، وأمه معتقة ، هل يثبت عليه الولاء لموالي الأم ؟ فيه أوجه . الصحيح : لا ، والثاني : نعم ، والثالث : إن كانت حرية الأب متيقنة ، بأن كان عربيا معلوم النسب ، فلا ، وإن كانت مبنية على ظاهر الدار ، وأن الأصل في الناس الحرية ، فنعم ، لضعف حرية الأب ، ولو كان الأب معتقا ، والأم حرة أصلية ، فالصحيح ثبوت الولاء عليه لموالي الأب ; لأنه ينسب إليه . وقيل : لا ولاء عليه تغليبا للحرية كعكسه . ومن له أمه حرة أصلية وأبوه رقيق لا ولاء عليه لأحد ، فإن أعتق الأب ، فهل يثبت عليه لموالي الأب ؟ قال الشيخ أبو علي : فيه جوابان سمعتهما من شيخي في وقتين ، وهما محتملان ، أحدهما : نعم ، لثبوته على الأب ، وإنما لم تثبت أولا لرقه . والثاني : لا ; لأنه لم يثبت ابتداء ، فلا يثبت بعده ، كما لو كان أبواه حرين .
فرع
من مسه رق وعتق ، فلا ولاء عليه لمعتق أبيه وأمه وسائر أصوله كما سبق ، سواء وجدوا في الحال أم لا ، فالمباشر إعتاقه ولاؤه لمعتقه ، ثم لعصبته ، فأما إذا كان حر الأصل ، وأبواه عتيقين ، أو أبوه عتيق ، فولاؤه لمولى أبيه ، وإن كان الأب رقيقا ، والأم معتقة ، فالولاء لمعتقها ، فإن مات والأب رقيق بعد ، ورثه معتق الأم ، وإن أعتق الأب في حياة [ ص: 172 ] الولد ؛ انجر الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب . ولو مات الأب رقيقا ، وعتق الجد ، انجر من موالي الأم إلى موالي الجد ولو عتق الجد ، والأب رقيق ، ففي انجراره إلى مولى الجد - وجهان . أصحهما : ينجر ، فإن أعتق الأب بعد ذلك ، انجر من مولى الجد إلى مولى الأب ، والثاني : لا ينجر ، فعلى هذا لو مات الأب بعد عتق الجد ، ففي انجراره إلى موالي الجد وجهان . أصحهما عند الشيخ أبي علي : لا ينجر ، وقطع البغوي بالانجرار .
قلت : الانجرار أقوى . والله أعلم .
وإذا ، وعلى إخوته وأخواته الذين هم أولاد الأب ، وهل يجر ولاء نفسه من مولى الأم ؟ وجهان ، الأصح المنصوص : لا ; لأنه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء ، ولهذا لو ثبت الولاء لموالي الأم لرق الأب ، فاشترى الولد أباه ، ثبت له الولاء عليه ، عتق وكان الولاء عليه لبائعه ، وكذا المكاتب إذا عتق بالأداء ، وإذا تعذر الجر ، بقي الولاء موضعه . والثاني : ينجر ، ويسقط ، ويصير كحر لا ولاء عليه . ولو خلق إنسان حر من حرين ، وكان في أحد أجداده رقيق . ويتصور ذلك في نكاح الغرور ، وفي الوطء بشبهة إذا أعتقت أم أمه ، ثبت الولاء عليه لمعتق أم الأم ، فإذا أعتق أبو أمه بعد ذلك ، انجر الولاء إلى مولاه ، فإذا أعتقت أم الأب بعد ذلك ، انجر الولاء من مولى أبي الأم إلى مولى أم الأب ، فإذا أعتق أبو أبيه بعد ذلك ، انجر إلى مولاه . ولو كانت المسألة بحالها لكن أبوه رقيق ، [ ص: 173 ] فأعتق الأب بعد عتق هؤلاء ، انجر إلى مولاه ، واستقر عليه . ودليله أن جهة الأبوة أقوى ، وحيث أثبتنا الولاء لمولى الأم ، فمات الولد ، أخذ ميراثه ، فإن عتق بعد ذلك ، لم يسترده مولاه ، بل الاعتبار بحال الموت ، وليس معنى الانجرار أن يحكم بأن الولاء لم يزل في جانب الأب ، بل معناه أنه ينقطع من وقت عتق الأب عن مولى الأم ، وإذا انجر إلى موالي الأب ، فلم يبق منهم أحد ، لم يعد إلى موالي الأم ، بل يكون الميراث لبيت المال ، وكذا إذا ثبت الولاء لموالي الأب فهلكوا ، لم يصر لموالي الجد ، حتى لو مات من انتقل ولاؤه من موالي أبيه إلى موالي جده حينئذ فميراثه لبيت المال . اشترى العبد نفسه
فرع
، فولاء الولد لمعتق الأم ، لا لمعتق الأب ، لأنا تيقنا وجوده يوم الإعتاق ، فمعتقه باشر إعتاقه بإعتاقها ، وولاء المباشرة مقدم ، وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا ، فإن كان الزوج يفترشها ، فولاؤه لمعتق الأب ، لأنا لا نعلم وجوده يوم الإعتاق ، والأصل عدمه ، والافتراش سبب ظاهر للحدوث ، وإن كان لا يفترشها ، وولدت لأربع سنين من الإعتاق ، فذلك . وإن ولدت لأقل من أربع سنين فقولان . أظهرهما : لمعتق الأم . ولو أعتق أمته المزوجة بعتيق ، فولدت لأقل من ستة أشهر من يوم الإعتاق ، فولاؤه لمعتق الأم بالمباشرة ، فإن أعتق الأب الأب ، لم ينجر الولاء إلى معتق الأب من معتق الأم ; لأنه أعتقه مباشرة . وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا ، قال أعتق المزوجة برقيق ، فولدت لدون ستة أشهر من الإعتاق البغوي : إن لم يفارقها الزوج ، [ ص: 174 ] فولاؤه لمولى الأم ، فإذا أعتق الأب ، انجر إلى مولاه ، وإن كان فارقها ، فإن ولدت لأكثر من أربع سنين من يوم الفراق ، فالولد منفي عن الزوج ، وولاؤه لمعتق الأم أبدا ، وإن ولدته لأربع سنين ، لحق الزوج ، وولاؤه لمعتق الأم ، فإذا أعتق الأب ، ففي الانجرار إلى مولاه قولان .
ولو ، فالولاء في الظاهر لمولى الأم ، فإن كذب الملاعن نفسه ، لحقه الولد وحكمنا بأن الولاء لمولاه . فإن كان الولد قد مات بعد اللعان ، ودفعنا الميراث إلى مولى الأم ، استرددناه منه بعد الاستلحاق ، لأنا تبينا أنه لم يكن ولاء . ولو غر بحرية أمة فنكحها وأولدها على ظن أنها حرة ، ثم علم أنها أمة ، فأولدها ولدا آخر ، فالولد الأول حر ، والثاني رقيق . فلو أعتق السيد الأمة ، والولد الثاني ، ثم عتق الأب ، انجر ولاء الولد الأول إلى معتق الأب ، ولم ينجر إليه ولاء الثاني ، لأنه عتق بالمباشرة . ولو نكحها عالما بأنها أمة ، وأولدها ، ثم عتقت ، وأولدها ولدا آخر ، فالثاني حر ، وولاؤه لمعتق الأب ، والأول مملوك ، وولاؤه لمعتقه . نفى الزوج المعتق ولد زوجته المعتقة بلعان