[ ص: 186 ]
فيه بابان كتاب التدبير
الأول : في ، وهي ثلاثة : المحل ، والصيغة ، والأهل . أركانه
أما المحل ، فمعلوم ، وأما الصيغة ، فالصريح كقوله : أنت حر بعد موتي ، أو أعتقتك ، أو حررتك بعد موتي ، أو إذا مت فأنت حر ، أو عتيق ، فإذا مات عتق ولو قال : دبرتك ، أو أنت مدبر ، فالنص أنه صريح ، ويعتق إذا مات السيد . ونص في الكتابة أن قوله : كاتبتك على كذا ، لا يكفي حتى يقول : فإذا أديت فأنت حر وينويه ، وفيهما طريقان ، فقيل : فيهما قولان : أحدهما : صريحان لاشتهارهما في معنييهما ، كالبيع والهبة . فينعقد التدبير بالصريح وبالكناية
والثاني : كنايتان ، لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق ، والمذهب تقرير النصين . والكناية كقوله : خليت سبيلك بعد موتي مع نية العتق . ولو قال : دبرت نصفك أو ربعك ، صح . وإذا مات ، عتق ذلك الجزء ، ولم يسر . ولو قال : دبرت يدك أو رجلك ، فهل يصح ويكون كله مدبرا ، أم يلغو ؟ وجهان . ونص في " الأم " أنه لو قال : أنت حر بعد موتي ولست بحر ، لا يصح التدبير ، كما لا يحصل العتق لو قال : أنت حر أو لست بحر ، ولا الطلاق إذا قال : أنت طالق ، أو لست بطالق .
[ ص: 187 ] فرع
بشرط في الموت ، كقوله : إن قتلت ، أو مت من مرضي هذا ، أو حتف أنفي أو في سفري هذا ، أو في هذا الشهر ، أو في هذا البلد ، فأنت حر ، فإن مات على الصفة المذكورة ، عتق ، وإلا فلا . ولو قال : إذا مت ، ومضى شهر أو يوم فأنت حر ، أو قال : أنت حر بعد موتي بيوم ، عتق بعد موته بيوم ، ولا يحتاج إلى إنشاء إعتاق بعد موته . وهل هذا تدبير مطلق ، أم مقيد ، أم ليس بمطلق ولا مقيد ، وإنما هو تعليق ليس بتدبير ؟ فيه أوجه . الصحيح الثالث ، وبه قال الأكثرون ، منهم يصح التدبير مطلقا ، وهو أن يعلق العتق بالموت بلا شرط . ومقيدا ، الشيخ أبو حامد ، وابن كج وابن الصباغ ، ، قالوا : متى علق العتق بصفة بعد الموت ، كقوله : إذا مت وشئت الحرية ، أو يشاء فلان ، أو إذا مت ثم دخلت فأنت حر ، أو أنت حر بعد موتي إذا خدمت ابني شهرا ، فكل ذلك ليس بتدبير ، بل تعليق ، ويجوز والروياني ، بأن يقول : إذا ، أو متى دخلت الدار ، فأنت حر بعد موتي ، أو أنت مدبر ، فإذا دخل ، صار مدبرا ، ولا يشترط الدخول في الحال ، لكن يشترط حصوله في حياة السيد ، كسائر الصفات المعلق عليها ، فإن مات السيد قبل الدخول ، فلا تدبير ، ولغا التعليق ، إلا أن يصرح فيقول : إذا دخلت الدار بعد موتي ، أو إذا مت ، ثم دخلت الدار فأنت حر ، فإنما يعتق حينئذ بالدخول بعد الموت . وللإمام احتمال في تعليق العتق بالدخول بعد الموت ، وذكر أن القاضي رمز إليه ، ولا تشترط المبادرة إليه بعد الموت ، بل متى دخل ، عتق . ولو قال : إذا مت ودخلت الدار فأنت حر ، قال تعليق التدبير البغوي : يشترط الدخول بعد الموت ، إلا أن يريد الدخول قبله . ولو قال : [ ص: 188 ] إذا مت فدخلت الدار ، أو إذا مت فأنت حر إن دخلت الدار ، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في التعليق بالمشيئة .
ولو قال الشريكان لعبدهما : إذا متنا فأنت حر ، لم يعتق حتى يموتا ، إما معا ، وإما مرتبا ، ثم إن ماتا معا ، فالحاصل عتق لحصول الصفة ، لا تدبير ; لأنه معلق بموته وموت غيره . : أن يعلق بموت نفسه . وقيل : إنه عتق تدبير ، لاتصاله بالموت ، والصحيح الأول . وإن ماتا مرتبا ، فوجهان . أحدهما : ليس بتدبير ، والصحيح : أنه إذا مات أحدهما ، صار نصيب الثاني مدبرا ، لتعلق العتق بموته ، وكأنه قال : إذا مات شريكي فنصيبي منك مدبر ، ونصيب الميت لا يكون مدبرا ، وهو بين الموتين للورثة ، فلهم التصرف فيه بما لا يزيل الملك ، كالاستخدام والإجارة ، وليس لهم بيعه ; لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك ، وكذا إذا قال : إن دخلت الدار بعد موتي ، فأنت حر ، فليس للوارث بيعه بعد الموت وقبل الدخول ، إذ ليس له إبطال تعليق الميت ، وإن كان للميت أن يبطله ، كما لو أوصى لرجل بشيء ومات ، ليس للوارث بيعه ، وإن كان للموصي أن يبيعه . وكذا من أعار ، له الرجوع في العارية . والتدبير
ولو ، وجب تنفيذ وصيته ، ولم يملك الوارث الرجوع عن هذه العارية ، هذا هو الصحيح . وفي الصورتين وجه أنه يجوز للورثة بيعه ، وفي كسب العبد بين موتيهما وجهان ، أحدهما : أنه معدود من تركة الميت ، وأصحهما : أنه للوارث خاصة . قال في " الأم " : ولو قالا لعبدهما : أنت حبيس على آخرنا موتا ، فإذا مات ، عتقت ، فهو كما لو قالا : إذا متنا فأنت حر ، إلا أن هناك المنفعة بين الموتين تكون لورثة الأول ، وهي للآخر ، [ ص: 189 ] وكذا الكسب ، وكأن أولهما موتا أوصى بهما لآخرهما موتا . ولو قال أحدهما : إذا مت ، فأنت حر ، فإذا مات ، عتق نصيبه ، ولم يسر . قال : أعيروا داري لفلان بعد موتي شهرا
فرع
، فإنما يعتق إذا شاء على الفور ، وقيل : لا يشترط الفور ، والصحيح الأول . ولو قال لعبده : أنت حر إن شئت ، فقال : أنت مدبر إن شئت ، أو دبرتك إن شئت ، أو قال : إن شئت فأنت مدبر ، أو فأنت حر إذا مت ، أو متى مت ، فلا يصير مدبرا إلا بالمشيئة ، والصحيح اشتراط الفور فيها . فلو قال : متى شئت ، أو مهما شئت ، لم يشترط الفور ، ويصير مدبرا متى شاء . وفي الحالتين تشترط المشيئة في حياة السيد ، كسائر الصفات المعلق عليها ، إلا إذا علق صريحا بمشيئة بعد الموت ، فإنما يحصل العتق بمشيئة بعد الموت ، ولا يمنع الامتناع في الحياة من المشيئة بعد الموت . ثم ينظر في لفظ التعليق ، فإن قال : أنت حر بعد موتي إن شئت بعد الموت ، أو اقتصر على قوله : إن شئت ، وقال : أردت بعد الموت ، فقال الإمام والغزالي : لا يشترط الفور بعد الموت ، ونفى الإمام الخلاف في ذلك ; لأنها إذا تأخرت عن الخطاب ، واعتبرت بعد الموت ، لم يكن لاشتراط اتصالهما بعد الموت معنى ولهذا لا يشترط في قبول الوصية . علق التدبير بمشيئة العبد
وفي " التهذيب " وغيره وجهان فيما لو قال : إذا مت وشئت بعد موتي فأنت حر ، أن المشيئة على التراضي ، أم يشترط الفور ؟ والصورة كالصورة . ولو قال : إذا مت فشئت فأنت حر ، ففي اشتراط اتصال المشيئة بالموت وجهان . الأصح : [ ص: 190 ] الاشتراط ، وبه أجاب الأكثرون ; لأن الفاء للتعقيب ، ويجري الخلاف في سائر التعليقات ، كقوله : إن دخلت الدار فكلمت زيدا فأنت طالق ، هل يشترط اتصال الكلام بالدخول ؟ ولو قال : إذا مت فمتى شئت فأنت حر ، لم يشترط اتصال المشيئة بالموت بلا خلاف .
ولو قال : إذا مت ، فأنت حر إن شئت ، أو إذا شئت ، أو قال : أنت حر إذا مت إن شئت ، فيحتمل أن يراد بهذا اللفظ المشيئة في الحال ، وتحتمل المشيئة بعد الموت ، فيراجع ويعمل بمقتضى إرادته ، فإن قال : أطلقت ولم أنو شيئا ، فثلاثة أوجه . الأصح : حمله على المشيئة بعد الموت ، وبه أجاب الأكثرون . منهم العراقيون ، وشرطوا أن تكون المشيئة بعد الموت على الفور ، ومقتضى ما سبق عن الإمام : أن لا يشترط الفور . والثاني : حمله على المشيئة في الحياة وبعد الموت ; لأن الموت متردد بينهما فتكفي المشيئة في حياة السيد ، ويشترط الفور على الصحيح . والثالث : تشترط المشيئة في الحياة ، فإن لم يتحققا ، لم يحصل يقين العتق ، وليجر هذا الخلاف في سائر التعليقات ، كقوله : إذا دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا . أيعتبر الكلام بعد الدخول ، أم قبله ؟ قال الإمام : ونشأ من هذا المنتهى إشكال فيما لو قال لعبده : إن رأيت عينا فأنت حر ، والعين لفظ مشترك بين الباصرة ، والدينار ، وعين الماء ، ولم ينو المعلق شيئا ، فهل يعتق العبد إذا رأى شيئا منها ؟ فيه تردد ، والوجه : أنه يعتق ، وبه يضعف اعتبار المشيئتين في مسألة المشيئة . والغزالي
ولك أن تقول : إن لم تكن المسألة كالمسألة ، فلا إلزام ، وإن كانت كهي ، فليحصل العتق بالمشيئة في الحياة أو بعد [ ص: 191 ] الموت ، كمسألة العين ، وهذا وجه غير الثلاثة ، ثم الأشبه أن اللفظ المشترك لا يحمل جميع معانيه ، ولا يحمل عند الإطلاق على كلها ، ويمكن أن يؤمر بتعيين أحدها ، ومتى اعتبر في المشيئة بعد الموت الفور فأخرها ، بطل التعليق ، وإذا لم تعتبر كما في قوله : فأنت حر متى شئت ، فقال القاضي أبو حامد : تعرض عليه المشيئة ، فإن امتنع ، فللورثة بيعه وكذا لو علق بدخول الدار وغيره بعد الموت ، يعرض عليه الدخول ، كما يقال للموصى له : اقبل أو رد . وهل للورثة بيعه قبل المشيئة وعرضها عليه ؟ فيه الخلاف السابق في الفرع الماضي .
فرع
قال : إن شاء فلان وفلان ، فعبدي حر بعد موتي ، لم يكن مدبرا حتى يشاءا جميعا . ولو قال : إذا مت ، فشئت ، فأنت مدبر ، فهذا لغو ، وكذا لو قال : إذا مت فدبروا هذا العبد . ولو قال : إذا مت فعبد من عبيدي حر ، ومات ولم يبين ، أقرع بينهم . قال في " الأم " : لو قال : إذا قرأت القرآن بعد موتي فأنت حر ، لا يعتق إلا بقراءة جميع القرآن . ولو قال : إذا قرأت قرآنا عتق بقراءة بعض القرآن .