الثاني باللفظ ، كقوله : رجعت عنه ، أو فسخته ، أو أبطلته ، أو رفعته ، أو نقضته ، فإن قلنا : وصية ، صح الرجوع ، وإلا فلا . وسواء التدبير المطلق والمقيد . وقيل : يختص الخلاف بالمطلق ، ويقطع في المقيد بمنع الرجوع ، والمذهب الأول . ولو قال : أعتقوا فلانا عني إذا مت ، جاز الرجوع باللفظ كسائر الوصايا . ولو ضم إلى الموت صفة أخرى ، بأن قال : إذا مت ، فدخلت الدار ، فأنت حر ، لا يجوز الرجوع باللفظ قطعا ، وإنما الخلاف في التدبير . لو رجع عن التدبير
فرع
إذا وهب المدبر ولم يقبضه ، إن قلنا : التدبير وصية ، حصل الرجوع ، وإن قلنا : تعليق ، لم يحصل على الصحيح ، وإن اتصل بها القبض ، وقلنا : يملك بالقبض ، انقطع التدبير ، وإن قلنا : يتبين الملك من حين الهبة ، قال الإمام : ففي انقطاع التدبير من حين الهبة تردد ، وكذا لو باع بشرط الخيار ، وقلنا : يزيل الملك ، فهل يبطل التدبير قبل لزوم البيع ؟ فيه تردد ، والذي أطلقه البغوي أن البيع بشرط الخيار يبطل التدبير على القولين . ولو باع نصف المدبر ، أو وهب وأقبض ، بطل التدبير في النصف المبيع ، أو الموهوب وبقي في الباقي ، وهل يبطل التدبير في الرهن ؟ قيل : يبطل ، وقيل : لا ، والمذهب قولان بناء على أنه وصية أو تعليق ؟ ومجرد الإيجاب في الهبة والرهن ، إن جعلناه وصية ، كان على الخلاف في أنه رجوع في الوصية ، وإن جعلناه تعليقا ، فلا أثر له ، ولا يبطل التدبير بالاستخدام والتزويج بلا خلاف ، وإذا جعلناه [ ص: 196 ] وصية ، بطل بالعرض على البيع . وسائر ما ذكرناه في باب الوصية ، لكن الوطء ليس رجوعا عن التدبير ، وإن جعلناه وصية ، سواء عزل أم لا ، بخلاف الوصية ، فإن استولدها ، فالصحيح الذي قطع به الجمهور بطلان التدبير ; لأن الاستيلاد أقوى ، فيرتفع به الأضعف ، كما يرتفع النكاح بملك اليمين ، ولهذا لو دبر مستولدته ، لم يصح ; لأنها تستحق العتق بالموت بجهة أقوى من التدبير ، وقيل : لا يبطل التدبير ، ويكون لعتقها بالموت سببان . وقيل : لا يبطل ، بل يدخل في الاستيلاد ، كالحدث في الجنابة ، ولو كاتب المدبر ، ففي ارتفاع التدبير وجهان ، بناء على أنه وصية ، أم تعليق . إن قلنا : وصية ، ارتفع ، وإلا فلا . فيكون مدبرا مكاتبا ، كما لو دبر مكاتبا ، فإن أدى النجوم ، عتق بالكتابة ، وإن مات السيد قبل الأداء ، عتق بالتدبير ، فإن لم يحتمله الثلث ، عتق قدر الثلث ، وبقيت الكتابة في الباقي ، فإذا أدى قسطه ، عتق ، وهذا نص رحمه الله وبه قطع الشافعي وجماعة ، وقال الشيخ أبو حامد القاضي أبو حامد : يسأل عن كتابته ، فإذا أراد بها الرجوع عن التدبير ، ففي ارتفاعه القولان ، وإلا ، فهو مدبر مكاتب قطعا . وخرج الإمام على الخلاف في الكتابة ، ما لو علق عتق المدبر بصفة ; لأنه لو أوصى به ثم علق عتقه بصفة ، كان رجوعا ، وقطع البغوي بأنه يصح التعليق بالصفة ، ويبقى التدبير بحاله ، كما لو دبر المعلق عتقه بصفة تجوز ، ثم إن وجدت الصفة قبل الموت ، عتق ، وإن مات قبلها ، عتق بالتدبير .
فروع
قال : رجعت عن التدبير في نصفه أو ربعه ، بقي التدبير في جميعه ، [ ص: 197 ] إن قلنا : لا يكفي الرجوع باللفظ ، وإلا فيبقى في باقيه فقط ، نص في " الأم " أنه إذا دبر ، ثم خرس ، فإن لم يكن له إشارة مفهومة ، ولا كتابة ، فلا مطلع على رجوعه ، وإن كانت له إشارة أو كتابة ، فأشار بالبيع ونحوه ، ارتفع التدبير ، وإن أشار بنفس الرجوع ، فعلى الخلاف .
ولو دبر مكاتبا ، صح ، فإن أدى النجوم قبل موت السيد ، عتق بالكتابة وبطل التدبير ، ولو عجز نفسه . أو عجزه سيده ، بطلت الكتابة ، وبقي التدبير ، ولو مات السيد : قبل الأداء والتعجيز ، عتق بالتدبير إن احتمله الثلث . قال : وتبطل الكتابة . قال الشيخ أبو حامد ابن الصباغ : وعندي أنه يتبعه ولده وكسبه ، كما لو أعتق السيد مكاتبه قبل الأداء ، فكما لا يملك إبطال الكتابة بالإعتاق ، فكذا بالتدبير . قال : ويحتمل أن يريد بالبطلان زوال العقد دون سقوط أحكامه .