باب
غسل الميت
يستحب المبادرة إلى غسله وتجهيزه إذا تحقق موته ، بأن يموت بعلة ، أو تظهر ، بأن يسترخي قدماه ، فلا ينتصبا ، أو يميل أنفه ، أو ينخسف صدغاه ، أو تمتد جلدة وجهه ، أو ينخلع كفاه من ذراعيه ، أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلي الجلدة ، فإن شك بأن لا يكون به علة ، واحتمل أن يكون به سكتة ، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره ، أخر إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيره . أمارات الموت
فصل
فرض كفاية ، وكذا غسل الميت التكفين والصلاة عليه بالإجماع . والدفن
[ ص: 99 ] : استيعاب البدن مرة بعد وأقل الغسل إن كانت . وفي إزالة النجاسة وجهان . أصحهما فيما ذكره اشتراط نية الغسل على الغاسل الروياني وغيره : لا يشترط .
قلت : صححه الأكثرون ، وهو ظاهر نص . - والله أعلم - . الشافعي
ولو ، فالصحيح المنصوص : أنه يكفي . ولو غسل الكافر مسلما ، لم يكف ما سبق ، بل يجب غسله على الصحيح المنصوص . أما غرق إنسان ، ثم ظفرنا به ، فيستحب أن أكمل الغسل ، ومن لا بد من معونته عند الغسل . وذكر يحمل الميت إلى موضع خال مستور لا يدخله إلا الغاسل الروياني وغيره : أن للولي أن يدخل إن شاء ، وإن لم يغسل ولم يعن ، ويوضع على لوح أو سرير هيئ له ، ويكون موضع رأسه أعلى لينحدر الماء ، . ولنا وجه : أن الأولى أن يجرد . والصحيح المعروف : هو الأول . وليكن القميص باليا أو سخيفا . ثم إن كان القميص واسعا ، أدخل يده في كمه ، وغسل من تحته ، وإن كان ضيقا ، فتق رأس الدخاريض وأدخل يده فيه . ولو لم يوجد قميص ، أو لم يتأت غسله فيه ، ستر منه ما بين السرة والركبة ، وحرم النظر إليه . ويغسل في قميص يلبسه عند إرادته غسله بأن يريد معرفة المغسول . وأما المعين ، فلا ينظر إلا لضرورة ، ويكره للغاسل أن ينظر إلى شيء من بدنه إلا لحاجة ، وهو أولى من المسخن ، إلا أن يحتاج إلى المسخن لشدة البرد ، أو لوسخ ، أو غيره . وينبغي أن يبعد الإناء الذي فيه الماء عن المغتسل ، بحيث لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل . ويحضر ماء باردا في إناء كبير ليغسل به
[ ص: 100 ] فرع
، وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل ، أن يجلسه إجلاسا رفيقا ، بحيث لا يعتدل ، ويكون مائلا إلى ورائه ، ويضع يده اليمنى على كتفه ، وإبهامه في نقرة قفاه ، لئلا يميل رأسه ، ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ، ويعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين ، ويمر يده اليسرى على بطنه إمرارا بليغا لتخرج الفضلات ، ويصب عليه المعين ماء كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ، ثم يرده إلى هيئة الاستلقاء ، ويغسل بيساره - وهي ملفوفة بإحدى الخرقتين - دبره ومذاكره وعانته ، كما يستنجي الحي ، ثم يلقي تلك الخرقة ، ويغسل يده بماء وإشنان . كذا قال الجمهور : إنه يغسل السوءتين معا بخرقة واحدة . وفي ( النهاية ) و ( الوسيط ) : أنه يغسل كل سوءة بخرقة ، ولا شك أنه أبلغ في النظافة ، ثم يتعهد ما على بدنه من قذر ونحوه . ويكون عنده مجمرة فائحة بالطيب
فرع
فإذا فرغ مما قدمناه ، لف الخرقة الأخرى على اليد ، وأدخل أصبعه في فيه ، وأمرها على أسنانه بشيء من الماء ، ولا يفتح أسنانه ، ويدخل أصبعه في منخريه بشيء من الماء ليزيل ما فيهما من أذى . ثم يوضئه كوضوء الحي ثلاثا ثلاثا مع المضمضة والاستنشاق ، ولا يكفي ما قدمناه من إدخال الأصبعين عن المضمضة والاستنشاق ، بل ذاك كالسواك . هذا مقتضى كلام الجمهور . وفي ( الشامل ) وغيره : ما يقتضي الاكتفاء . والأول أصح . ويميل رأسه في المضمضة [ ص: 101 ] والاستنشاق ، لئلا يصل الماء باطنه . وهل يكفي وصول الماء مقاديم الشفتين والمنخرين ، أم يوصله إلى الداخل ؟ حكى فيه ترددا ، لخوف الفساد ، وقطع بأن أسنانه لو كانت متراصة لا تفتح . إمام الحرمين
فرع
فإذا فرغ من وضوئه ، غسل رأسه ، ثم لحيته ، بالسدر والخطمي ، وسرحهما بمشط واسع الأسنان إن كانا متلبدين ، ويرفق لئلا ينتف شعر ، فإن انتتف رده إليه . ثم يغسل شقه الأيمن المقبل من عنقه ، وصدره ، وفخذه ، وساقه ، وقدمه . ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ، ثم يحوله إلى جنبه الأيسر ، فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر من الكتفين إلى القدم ، ثم يحوله إلى جنبه الأيمن ، فيغسل شقه الأيسر كذلك . هذا نص في ( المختصر ) . وبه قال أكثر الأصحاب ، وحكى العراقيون وغيرهم قولا آخر : أنه يغسل جانبه الأيمن من مقدمه ، ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيمن ، ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الأيسر من مقدمه ، ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيسر . قالوا : وكل واحد من هذين الطريقين سائغ ، والأول أولى . وقال الشافعي ، إمام الحرمين في آخرين : يضجع أولا على جنبه الأيسر ، فيصب الماء على شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه ، ثم يضجع على جنبه الأيمن ، فيصب على شقه الأيسر . والجمهور على ما قدمناه ، وعلى أن غسل الرأس لا يعاد ، بل يبدأ بصفحة العنق فما تحتها ، وقد حصل غسل الرأس أولا . ويجب الاحتراز عن كبه على الوجه . ثم جميع ما ذكرناه غسلة واحدة . وهذه الغسلة تكون بالماء والسدر والخطمي ، ثم يصب عليه الماء القراح ، من قرنه إلى قدمه . ويستحب أن يغسله ثلاثا ، فإن لم تحصل النظافة ، زاد حتى تحصل ، فإن حصل [ ص: 102 ] بشفع ، استحب الإيتار ، وهل يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر والخطمي ؟ فيه وجهان . أصحهما : لا . فعلى هذا ، لا تحسب هذه الغسلة من الثلاث قطعا . وهل تحسب الواقعة بعدها ؟ وجهان . أصحهما : لا ، لأن الماء إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به . فعلى هذا ، المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر ، فيغسل بعد زوال السدر ثلاثا بالقراح . ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا ، وهو في الغسلة الأخيرة آكد . وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به ، وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به ، وإن كان فاحشا على المشهور . ويعيد تليين مفاصله بعد الغسل . ونقل والغزالي المزني إعادة التليين في أول وضعه على المغتسل . وأنكره أكثر الأصحاب ، ثم ينشفه تنشيفا بليغا .
فرع
يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بأرفق مما قبلها ، فإن ، وجب غسل النجاسة قطعا بكل حال . وهل يجب غيرها ؟ فيه أوجه . أصحها : لا . والثاني : يجب إعادة غسله . والثالث : يجب وضوءه . فعلى الأصح ، لا فرق بين النجاسة الخارجة من السبيلين وغيرهما . وإن أوجبنا الوضوء ، اختص بالخارجة من السبيلين . وإن أوجبنا الغسل ، ففي إعادة الغسل كسائر النجاسات احتمال ، خرجت منه نجاسة في آخر الغسلات ، أو بعدها . لإمام الحرمين
قلت : الصحيح ، الجزم بأنه لا يجب إعادة الغسل كسائر النجاسات - والله أعلم - .
ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة قبل الإدراج في الكفن ، أو [ ص: 103 ] بعده ، وأشار صاحب ( العدة ) إلى تخصيص الخلاف في وجوب الغسل والوضوء بما قبل الإدراج .
قلت : قد توافق صاحب ( العدة ) والقاضي أبو الطيب ، والمحاملي ، والسرخسي صاحب ( الأمالي ) : فجزموا بالاكتفاء بغسل النجاسة بعد الإدراج . - والله أعلم - .
ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها ، فإن قلنا : يجب إعادة الغسل أو الوضوء بخروج النجاسة ، وجبا هنا . كذا أطلقه في ( التهذيب ) . وذكر غيره : أنه تفريع على نقض طهر الملموس . وأما إذا قلنا : لا يجب إلا غسل المحل ، فلا يجب هنا شيء ، ولو وطئت بعد الغسل ، فإن قلنا بإعادة الغسل ، أو الوضوء للنجاسة ، وجب هنا الغسل . وإن قلنا بالأصح ، لم يجب هنا شيء .
قلت : كذا أطلقه الأصحاب ، وينبغي أن يكون فيه خلاف مبني على نجاسة باطن فرجها ، فإنها خرجت على الذكر ، وتنجس بها ظاهر الفرج . - والله أعلم - .