فصل
، فلو ارتد أو مات قبل الحول لم تحسب عن الزكاة ، وإن استغنى بالمدفوع إليه ، أو به وبمال آخر ، لم يضر ، وإن استغنى بغيره لم يحسب عن الزكاة ، وإن عرض مانع ثم زال وصار بصفة الاستحقاق عند تمام الحول لم يضر على الأصح . ويشترط في الدافع بقاؤه إلى آخر الحول بصفة من تجب عليه الزكاة ، فلو ارتد وقلنا : الردة تمنع وجوب الزكاة ، أو مات ، أو تلف جميع ماله ، أو باعه ، أو نقص عن النصاب - لم يكن المعجل زكاة ، وإن أبقينا ملك المرتد ، وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة - أجزأه المعجل . وهل يحسب في صورة الموت عن زكاة الوارث ؟ قال الأصحاب : إن قلنا بالقديم : إن شرط كون المعجل مجزئا : بقاء القابض بصفة الاستحقاق في آخر الحول - أجزأه ، وإلا لم يجزئه على الأصح ؛ لأنه تعجيل قبل ملك النصاب ، [ ص: 215 ] فإن قلنا : يحسب فتعددت الورثة ، ثبت حكم الخلطة بينهم إن كان المال ماشية أو غير ماشية وقلنا بثبوت الخلطة فيه . فأما إن قلنا : لا يثبت ، ونقص نصيب كل واحد عن النصاب ، أو اقتسموا ونقص نصيب كل واحد عن النصاب - فينقطع الحول ولا تجب الزكاة على الأصح . وعن صاحب التقريب وجه آخر أنهم يصيرون كشخص واحد ، وعلى الثاني : يصيرون كشخص واحد . الوارث يبنى على حول الموروث
فرع
إذا ، فله حالان ، أحدهما : يأخذه بحكم الفرض ، فينظر ، إن استقرضه بسؤال المساكين فهو من ضمانهم ، سواء تلف في يده أو بعد أن سلمه إليهم . وهل يكون الإمام طريقا في الضمان حتى يؤخذ منه ويرجع هو على المساكين ، أم لا ؟ نظر ، إن علم المقرض أنه يستقرض للمساكين بإذنهم لم يكن طريقا على الأصح ، وإن ظن أنه يستقرض لنفسه أو للمساكين من غير سؤالهم ، فله الرجوع على الإمام ، ثم الإمام يقضيه من مال الصدقة ، أو يحسبه عن زكاة المقترض ، وإذا أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم فتلف في يد الإمام ، فلا ضمان على المساكين ولا على الإمام ؛ لأنه وكيل المالك . ولو استقرض الإمام بسؤال المالك والمساكين جميعا ، فهل هو من ضمان المالك أو المساكين ؟ وجهان يأتي بيانهما في الحال الثاني إن شاء الله تعالى . أخذ الإمام من المالك قبل أن يتم حوله مالا للمساكين
ولو استقرض بغير سؤال المالك والمساكين ، نظر ، إن استقرض ولا حاجة بهم إلى القرض ، وقع القرض للإمام ، وعليه ضمانه من خالص ماله ، سواء تلف في يده أو دفعه إلى المساكين ، ثم إن دفع إليهم متبرعا ، فلا رجوع ، وإن أقرضهم ، فقد أقرضهم مال نفسه ، وإن كان استقرض لهم وبهم حاجة وهلك في يده ، فوجهان .
أحدهما أنه من ضمان المساكين ، يقضيه الإمام [ ص: 216 ] من مال الصدقة ، كالولي إذا استقرض لليتيم فهلك في يده يكون الضمان في مال اليتيم ، وأصحهما : يكون الضمان من خالص مال الإمام ؛ لأن المساكين غير متعينين ، وفيهم أو أكثرهم أهل رشد ، لا ولاية عليهم ، ولهذا لا يجوز منع الصدقة عنهم بلا عذر ، ولا التصرف في مالهم بالتجارة ، وإنما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة ، بخلاف اليتيم . فأما إن دفع المستقرض إليهم ، فالضمان عليهم ، والإمام طريق ، فإذا أخذ زكوات والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق ، فله أن يقضيه من الزكوات ، وله أن يحسبه عن زكاة المقرض . وإن لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حلول الزكوات لم يجز قضاؤه منها ، بل يقضي من مال نفسه ، ثم يرجع على المدفوع إليه إن وجد له مالا .
الحال الثاني : أن يأخذ الإمام المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ منه عند تمام حوله ، وفيه أربع مسائل كالقرض .
إحداها : أن يأخذ بسؤال المساكين ، فإن دفع إليهم قبل الحول وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق والمالك بصفة الوجوب - وقع الموقع ، وإن خرجوا عن الاستحقاق فعليهم الضمان ، وعلى المالك الإخراج ثانيا ، وإن تلف في يده قبل تمام الحول بغير تفريط له ، نظر ، إن خرج المالك عن أن تجب عليه الزكاة فله الضمان على المساكين ، وهل يكون الإمام طريقا ؟ وجهان ، كما في الاستقراض ، وإلا فهل يقع المخرج عن زكاته ؟ وجهان . أصحهما : يقع ، وبه قطع في " الشامل " و " التتمة " ، والثاني : لا ، فعلى هذا له تضمين المساكين ، وفي تضمين الإمام الوجهان ، فإن لم يكن للمساكين مال ، صرف الإمام إذا اجتمعت الزكوات عنده ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذي تسلف منه .
المسألة الثانية : أن يتسلف بسؤال المالك ، فإن دفع إلى المساكين ، وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق ، وقع الموقع ، وإلا رجع المالك على المساكين دون الإمام ، وإن تلف في يد الإمام لم يجزئ المالك ، سواء تلف بتفريط الإمام ، [ ص: 217 ] أو بغير تفريطه ، كالتلف في يد الوكيل ، ثم إن تلف بتفريط الإمام ، فعليه ضمانه للمالك ، وإلا فلا ضمان عليه ولا على المساكين .
الثالثة : أن يتسلف بسؤال المالك والمساكين جميعا ، فالأصح عند صاحب " الشامل " والأكثرين أنه من ضمان المساكين ، والثاني : من ضمان المالك .
الرابعة : أن يتسلف بغير سؤال المالك والمساكين ، لما رأى من حاجتهم ، فهل تكون حاجتهم كسؤالهم ؟ وجهان :
أصحهما : لا ، فعلى هذا إن دفعه إليهم ، وخرجوا عن الاستحقاق قبل تمام الحول - استرده الإمام منهم ودفعه إلى غيرهم ، وإن خرج الدافع عن أهلية الوجوب ، استرده ورد إليه ، فإن لم يكن للمدفوع إليه مال ، ضمنه الإمام من مال نفسه ، فرط أم لم يفرط ، وعلى المالك إخراج الزكاة ثانيا ، وفي وجه ضعيف : لا ضمان على الإمام . ثم الوجهان في تنزل الحاجة منزلة سؤالهم ، هما في حق البالغين ، أما إذا كانوا أطفالا فيبنى على أن الصبي تدفع إليه الزكاة من سهم الفقراء أو المساكين ، أم لا ؟ فإن كان له من يلزمه نفقته كأبيه وغيره فالأصح أنه لا يدفع إليه ، وإن لم يكن فالصحيح أنه يدفع له إلى قيمه ، والثاني : لا ؛ لاستغنائه بسهم من الغنيمة ، فإن جوزنا التصرف إليه ، فحاجة الأطفال كسؤال البالغين ، فتسلف الإمام الزكاة واستقراضه لهم كاستقراض قيم اليتيم . هذا إذا كان الذي يلي أمرهم الإمام ، فإن كان وليا مقدما على الإمام ، فحاجتهم كحاجة البالغين ؛ لأن لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه . أما إذا قلنا : لا يجوز الصرف إلى الصبي ، فلا تجيء هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين ، ويجوز أن تجيء في سهم الغارمين ونحوه . ثم في المسائل كلها لو ، سقطت الزكاة عن المالك ؛ لأن الحصول في يدهما بعد الحول كالوصول إلى يد المساكين كما لو أخذ بعد الحول . ثم إن فرط في الدفع إليهم ضمن من مال نفسه لهم ، وإلا فلا ضمان على أحد ، وليس من التفريط أن ينتظر انضمام غيره إليه لقلته ، [ ص: 218 ] فإنه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده ، والمراد بالمساكين في هذه المسائل أهل السهمين جميعا ، وليس المراد جميع آحاد الصنف ، بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم . تلف المعجل في يد الساعي أو الإمام بعد تمام الحول