[ ص: 223 ] باب حكم تأخير الزكاة  
إذا تم حول المال الذي يشترط في زكاته الحول وتمكن من الأداء ، وجب على الفور كما قدمناه . فإن أخر ، عصى ودخل في ضمانه . فلو تلف المال بعد  ذلك لزمه الضمان ، سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء أو قبل ذلك . ولو تلف بعد الحول وقبل التمكن فلا شيء عليه . وإن أتلفه المالك لزمه الضمان . وإن أتلفه أجنبي ، بني على ما سنذكره إن شاء الله تعالى أن التمكن شرط في الوجوب أو في الضمان . إن قلنا بالأول ، فلا زكاة ، وإن قلنا بالثاني ، وقلنا : الزكاة تتعلق بالذمة - فلا زكاة ، وإن قلنا : تتعلق بالعين ، انتقل حق المستحقين إلى القيمة ، كما إذا قتل العبد الجاني أو المرهون ، ينتقل الحق إلى القيمة . 
فرع 
إمكان الأداء شرط في الضمان قطعا ، وهل هو شرط في الوجوب أيضا ؟ قولان . أظهرهما : ليس بشرط ، والثاني : شرط كالصلاة والصوم والحج ، واحتجوا للأظهر بأنه لو تأخر الإمكان فابتدأ الحول الثاني ، يحسب من تمام الأول لا من ( حصول ) الإمكان . 
فرع 
الأوقاص التي بين النصب فيها قولان ، أظهرهما أنها عفو ، والفرض   [ ص: 224 ] يتعلق بالنصاب خاصة . 
والثاني : ينبسط الفرض عليها وعلى النصاب ، فإذا ملك تسعا من الإبل ، فعلى الأول ، عليه شاة في خمس منها ، لا بعينها ، وعلى الثاني : الشاة واجبة في الجميع . قال إمام الحرمين : الوجه عندي أن تكون الشاة متعلقة بالجميع قطعا ، وأن القولين في أن الوقص إنما يجعل وقاية للنصاب ، كما يجعل الربح في القراض وقاية لرأس المال ، وهذا الذي قاله حسن ، لكن المذهب المشهور ما قدمناه . 
فرع 
لو تم الحول على خمس من الإبل ، فتلف واحد قبل التمكن ، فلا زكاة للتالف  ، وأما الأربعة ، فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب ، فلا شيء فيها ، وإن قلنا : للضمان فقط وجب أربعة أخماس شاة . ولو تلف أربع ، فعلى الأول : لا شيء ، وعلى الثاني : يجب خمس شاة ، ولو ملك ثلاثين من البقر ، فتلف خمس قبل الإمكان وبعد الحول ، فإن قلنا بالأول ، فلا شيء ، وإن قلنا بالثاني ، وجب خمسة أسداس تبيع ، ولو تم الحول على تسع من الإبل ، فتلف أربع قبل التمكن ، فإن قلنا : الإمكان شرط للوجوب ، فعليه شاة ، وإن قلنا : للضمان والوقص عفو ، فشاة أيضا ، وإن قلنا : ينبسط ، فالصحيح الذي قطع به الجمهور : يجب خمسة أتساع شاة ، وقال  أبو إسحاق     : يجب شاة كاملة . ولو كانت المسألة بحالها ، وتلفت خمس ، فإن قلنا : الإمكان شرط للوجوب ، فلا شيء ، وإن قلنا : للضمان ، وقلنا : الوقص عفو ، فأربعة أخماس شاة ، وإن قلنا بالبسط ، فأربعة أتساع شاة ، ولا يجيء وجهأبي إسحاق     . ولو ملك ثمانين من الغنم ، فتلف بعد الحول وقبل التمكن أربعون  ، فإن قلنا : التمكن شرط للوجوب أو للضمان ، والوقص عفو - فعليه شاة ، وإن قلنا بالضمان والبسط ، فنصف شاة ، وعلى وجه  أبي إسحاق     : شاة . 
 [ ص: 225 ] فرع 
إمكان الأداء ، ليس المراد به مجرد تمكنه من إخراج الزكاة ، بل يعتبر معه وجوب الإخراج ، وذلك بأن تجتمع شرائطه . 
فمنها : أن يكون المال حاضرا عنده ، فإن كان غائبا ، لم يجب الإخراج من موضع آخر وإن جوزنا نقل الزكاة . 
ومنها : أن يجد المصروف إليه ، وقد تقدم أن الأموال ظاهرة وباطنة ، فالباطنة يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه ، ويجوز أن يفرقها بنفسه ، فيكون واجدا للمصروف إليه ، سواء وجد أهل السهمان ، أو الإمام ، أو نائبه ، يفرقها ، وأما الأموال الظاهرة فكذلك إن جوزنا تفرقتها بنفسه ، وإلا فلا إمكان حتى يجد الإمام أو نائبه ، وإذا وجد من يجوز الصرف إليه فأخر لطلب الأفضل ، بأن وجد الإمام أو نائبه فأخر ليفرق بنفسه حيث قلنا : إنه أفضل ، أو وجد أهل السهمان ، فأخر ليدفع إلى الإمام أو نائبه ، حيث قلنا : إنه أفضل ، أو أخر لانتظار قريب أو جار ، أو من هو أحوج - ففي التأخير وجهان . أصحهما : جوازه ، فعلى هذا لو أخر فتلف كان ضامنا في الأصح . قال إمام الحرمين : الوجهان لهما شرطان . أحدهما : أن يظهر استحقاق الحاضرين ، فإن تردد في استحقاقهم فأخر ليتروى ، جاز بلا خلاف ، والثاني : أن لا يشتد ضرر الحاضرين وفاقتهم ، فإن تضرروا بالجوع ، لم يجز التأخير للقريب وشبهه بلا خلاف ، وفي هذا الشرط الثاني نظر ، فإن إشباعهم لا يتعين على هذا الشخص ، ولا من هذا المال ، ولا من مال الزكاة . 
قلت : هذا النظر ضعيف أو باطل ، والله أعلم . 
قال صاحب التهذيب وغيره : ويشترط في إمكان الأداء أن لا يكون مشتغلا بشيء يهمه من أمر دينه أو دنياه . 
				
						
						
