[ ص: 77 ] فصل
مكة لا لنسك ، له حالان . من قصد
أحدهما : أن لا يكون ممن يتكرر دخوله بأن دخلها لزيارة ، أو تجارة ، أو رسالة ، وكالمكي إذا دخلها عائدا من سفره ، هل يلزمه أن يحرم بالحج أو العمرة ؟ فيه طريقان . أصحهما : على قولين . أحدهما : يلزمه ، وهو الأظهر عند المسعودي ، وصاحب " التهذيب " وغيرهما في آخرين ، واختاره صاحب التلخيص . والثاني : يستحب ، وهو الأظهر عند الشيخ أبي حامد ومتابعيه ، والشيخ أبي محمد . والطريق الثاني : القطع بالاستحباب . والغزالي
قلت : الأصح في الجملة : استحبابه ، وقد صححه الرافعي في المحرر . - والله أعلم - .
الحال الثاني : أن يكون ممن يتكرر دخوله ، كالحطابين والصيادين ونحوهم ، فإن قلنا في الحال الأول : لا يلزمه ، فهنا أولى وإلا فالمذهب : أنه لا يلزمه أيضا . وقيل : قولان . وفي وجه ضعيف : يلزمهم الإحرام كل سنة مرة . وحيث قلنا بالوجوب فله شروط .
أحدها : أن يجئ الداخل من خارج الحرم ، فأما أهل الحرم ، فلا إحرام عليهم بلا خلاف . الثاني : أن لا يدخلها لقتال ، ولا خائفا . فإن دخلها لقتال باغ ، أو قاطع طريق ، أو غيرهما ، أو خائفا من ظالم أو غريم يحبسه وهو معسر لا يمكنه الظهور لأداء النسك ، لم يلزمه الإحرام بلا خلاف .
الثالث : أن يكون حرا . فالعبد لا إحرام عليه . وقيل : إن أذن سيده [ ص: 78 ] في الدخول محرما ، فهو كحر ، والمذهب : الأول . وإذا اجتمعت شرائط الوجوب ، فدخل غير محرم ، فطريقان . أصحهما وبه قطع الأكثرون : لا قضاء عليه . والثاني : على وجهين . وقيل : قولين . أحدهما : هذا . والثاني : يلزمه القضاء ، تداركا للواجب . وسبيله على هذا ، أن يخرج ثم يعود محرما .
وعللوا عدم القضاء بعلتين . إحداهما : أنه لا يمكن القضاء ؛ لأن الدخول الثاني يقتضي إحراما آخر ، فصار كمن نذر صوم الدهر فأفطر يوما .
وفرع صاحب " التلخيص " على هذه العلة أنه لو لم يكن ممن يتكرر دخوله كالحطابين ، ثم صار منهم قضى لتمكنه . وربما نقل عنه : أنه يوجب عليه أن يجعل نفسه منهم . والعلة الثانية وهي الصحيحة ، وبها قال العراقيون والقفال : أنه تحية للبقعة ، فلا تقضى كتحية المسجد .
وأبطلوا العلة الأولى . قال تفريعا على قول الوجوب : إنه إذا انتهى إلى الميقات على قصد دخول ابن كج مكة لزمه أن يحرم من الميقات . فلو أحرم بعد مجاوزته فعليه دم بخلاف ما لو ترك الإحرام من أصله . وهل ينزل دخول الحرم منزلة دخول مكة فيما ذكرناه ؟ قال بعض الشارحين : نعم ، والمراد بمكة في هذا الحرم . ولا يبعد تخريجه على خلاف سبق في نظائره .
قلت : الصواب : القطع بأن الحرم كمكة في هذا . وقد اتفق الأصحاب عليه ، وصرح به خلائق منهم صاحب " الحاوي " والمحاملي في " المقنع " ، وغيره ، والجرجاني في " التحرير " ، والشاشي في " المستظهري " ، في " الحلية " ، وغيرهم . وعجب قول والروياني الرافعي : قال بعض الشارحين مع شهرة هذه الكتب . - والله أعلم - .