فصل
. فالمباشرة معروفة . وأما التسبب ، فموضع ضبطه كتاب الجنايات . ويذكر هنا صور : جهات ضمان الصيد ثلاث : المباشرة ، والتسبب ، واليد
إحداها : لو ، فعليه الضمان ، سواء نصبها في ملكه أو غيره . نصب الحلال شبكة في الحرم ، أو نصبها المحرم حيث كان ، فتعقل بها صيد وهلك
[ ص: 148 ] قلت : ولو ، لم يلزمه شيء ، ذكره نصب الشبكة ، أو الأحبولة وهو حلال ، ثم أحرم فوقع بها صيد القفال ، وصاحب " البحر " وغيرهما . وهو معنى نص رحمه الله تعالى . والله أعلم . الشافعي
الثانية : لو ، لزمه ضمانه . ولو انحل الرباط لتقصيره فيه ، ضمن على المذهب ، هذا إذا كان هناك صيد . فإن لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه ، فظهر صيد ، ضمنه أيضا على الأصح . أرسل كلبا ، أو حل رباطه ولم يرسله ، فأتلف صيدا
قلت : قال القاضي أبو حامد وغيره : . فإن حمله فأرسله على صيد فلم يقتله فلا جزاء ، لكن يأثم . ولو انفلت بنفسه فقتله فلا ضمان . والله أعلم . يكره للمحرم حمل البازي وكل صائد
الثالثة : لو ، أو أخذه سبع ، أو انصدم بشجرة ، أو جبل لزمه الضمان ، سواء قصد تنفيره ، أم لا ، ويكون في عهدة التنفير حتى يعود الصيد إلى عادته في السكون . فإن هلك بعد ذلك ، فلا ضمان . ولو هلك قبل سكون النفار بآفة سماوية ، فلا ضمان على الأصح ، إذ لم يتلف بسببه ولا في يده . ووجه الثاني : استدامة أثر النفار . نفر المحرم صيدا فعثر وهلك به
الرابعة : لو الحرم في محل عدوان ، فهلك فيها صيد ، لزمه الضمان . ولو حفرها في ملكه أو في موات ، فثلاثة أوجه ، أصحها : يضمن في حفر المحرم بئرا حيث كان ، أو حفرها حلال في الحرم دون الإحرام .
قلت : وقيل : إن حفرها للصيد ، ضمن ، وإلا فلا ، واختاره صاحب الحاوي . والله أعلم .
[ ص: 149 ] فرع
لو ، وجب الجزاء على المحرم ، ولا ضمان على الحلال ، سواء كان في يده ، أم لا ، لكنه يأثم . دل الحلال محرما على صيد فقتله
ولو دل المحرم حلالا على صيد فقتله ، فإن كان في يد المحرم ، لزمه الجزاء ؛ لأنه ترك حفظه وهو واجب ، فصار كالمودع إذا دل السارق ، وإلا فلا جزاء على واحد منهما . ولو ، فإن كان القاتل حلالا ، وجب الجزاء على المحرم وهل يرجع به على الحلال ؟ وجهان : أمسك محرم صيدا حتى قتله غيره
قال : لا ؛ لأنه غير حرام عليه . وقال الشيخ أبو حامد : نعم ، وبه قطع في " التهذيب " كما لو غصب شيئا فأتلفه إنسان في يده . القاضي أبو الطيب
قلت : الأصح : الأول ؛ لأنه غير مضمون في حقه بخلاف المغصوب . والله أعلم .
وإن كان محرما أيضا ، فوجهان . أصحهما : الجزاء كله على القاتل . والثاني : عليهما نصفين . وقال صاحب العدة : الأصح أن الممسك يضمنه باليد ، والقاتل بالإتلاف . فإن أخرج الممسك الضمان رجع به على المتلف ، وإن أخرج المتلف لم يرجع على الممسك .
قلت : قال صاحب " البحر " : لو ضمنه على الأصح . ولو رمى حلال صيدا ، ثم أحرم ، ثم أصابه ، فوجهان . ولو رمى محرم ثم تحلل ، بأن قصر شعره ، ثم أصابه ، ضمنهما . والله أعلم . رمى صيدا ، فنفذ منه إلى صيد آخر ، فقتلهما
[ ص: 150 ] الجهة الثالثة : اليد . ، ولا يحصل به الملك ، وإذا أخذه ، ضمنه كالغاصب . بل لو حصل التلف بسبب في يده ، بأن كان راكب دابة ، فتلف صيد بعضها ، أو رفسها ، أو بالت في الطرق ، فزلق به صيد فهلك ، لزمه الضمان . ولو انفلت بعيره فأتلف صيدا ، فلا شيء عليه . نص على هذا كله . فيحرم على المحرم إثبات اليد على الصيد ابتداء
ولو تقدم ابتداء اليد على الإحرام ، بأن كان في يده صيد مملوك له ، لزمه إرساله على الأظهر . والثاني : لا يلزمه . وقيل : لا يلزمه قطعا ، بل يستحب . فإن لم نوجب الإرسال ، فهو على ملكه ، له بيعه وهبته ، لكن لا يجوز له قتله . فإن قتله ، لزمه الجزاء . كما لو قتل عبده ، تلزمه الكفارة . ولو أرسله غيره ، أو قتله ، لزمه قيمته للمالك ، ولا شيء على المالك . وإن أوجبنا الإرسال ، فهل يزول ملكه عنه ؟ قولان :
أظهرهما : يزول . فعلى هذا ، لو أرسله غيره ، أو قتله ، فلا شيء عليه . ولو أرسله المحرم ، فأخذه غيره ، ملكه . ولو لم يرسله حتى تحلل ، لزمه إرساله على الأصح المنصوص . وحكى الإمام على هذا القول وجهين : في أنه يزول ملكه بنفس الإحرام ، أم الإحرام يوجب عليه الإرسال ، فإذا أرسل ، زال حينئذ ؟ وأولهما : أشبه بكلام الجمهور . وإن قلنا : لا يزول ملكه ، فليس لغيره أخذه ، فلو أخذه لم يملكه . ولو قتله ضمنه .
وعلى القولين : لو مات في يده بعد إمكان الإرسال ، لزمه الجزاء ، لأنهما مفرعان على وجوب الإرسال ، وهو مقصر بالإمساك . ولو مات الصيد قبل إمكان الإرسال ، وجب الجزاء على الأصح . ولا يجب تقديم الإرسال على الإحرام بلا خلاف .
[ ص: 151 ] فرع
لو ، فهو مبني على ما سبق . فإن قلنا : يزول ملكه عن الصيد بالإحرام ، لم يملكه بهذه الأسباب ، وإلا ففي صحة الشراء والهبة قولان ، كشراء الكافر عبدا مسلما ، فإن لم نصحح هذه العقود فليس له القبض . فإن قبض فهلك في يده ، لزمه الجزاء ، ولزمه القيمة للبائع . فإن رده عليه سقطت القيمة ، ولم يسقط ضمان الجزاء إلا بالإرسال . وإذا أرسل ، كان كمن اشترى عبدا مرتدا فقتل في يده . وفيمن يتلف من ضمانه ، خلاف موضعه كتاب البيع . اشترى المحرم صيدا ، أو اتهبه ، أو أوصي له به ، فقبل
قلت : كذا ذكر الإمام الرافعي هنا ، أنه إذا هلك في يده ، ضمنه بالقيمة للآدمي مع الجزاء ، وهذا في الشراء صحيح ، أما في الهبة ، فلا يضمن القيمة على الأصح ؛ لأن العقد الفاسد كالصحيح في الضمان ، والهبة غير مضمونة ، وقد ذكر الرافعي هذا الخلاف في كتاب " الهبة " : وسيأتي إن شاء الله تعالى . والله أعلم .
فرع
لو ، ورثه على المذهب . وقيل : هو كالشراء . فإن قلنا : يرث ، قال الإمام ، مات للمحرم قريب يملك صيدا : يزول ملكه عقب ثبوته ، بناء على أن الملك يزول عن الصيد بالإحرام . وفي " التهذيب " وغيره ، خلافه . لأنهم قالوا : إذا ورثه لزمه إرساله . فإن باعه صح بيعه ولا يسقط عنه ضمان الجزاء ، حتى لو مات في يد المشتري وجب الجزاء على البائع . وإنما يسقط عنه إذا [ ص: 152 ] أرسله المشتري . وإن قلنا : لا يرث ، فالملك في الصيد لباقي الورثة . وإحرامه بالنسبة إلى الصيد مانع من موانع الإرث ، كذا قاله في " التتمة " . وقال الشيخ والغزالي أبو القاسم الكرخي على هذا الوجه : إنه أحق به ، فيوقف حتى يتحلل فيتملكه .
قلت : هذا المنقول عن أبي القاسم الكرخي هو الصحيح ، بل الصواب المعروف على المذهب ، وبه قطع الأصحاب في الطريقين . فممن صرح به الشيخ أبو حامد ، والدارمي وأبو علي البندنيجي ، والمحاملي في كتابيه ، والقاضي أبو الطيب في المجرد ، وصاحب " الحاوي " ، والقاضي حسين ، وصاحبا " العدة " و " البيان " . قال الدارمي : فإن مات الوارث قبل تحلله ، قام وارثه مقامه . والله أعلم .
فرع
لو ، فإن قلنا : يملك الصيد بالإرث ، رده عليه ، وإلا فوجهان ؛ لأن منع الرد إضرار بالمشتري . ولو باع صيدا وهو حلال ، فأحرم ثم أفلس المشتري بالثمن ، لم يكن له الرجوع على الأصح كالشراء ، بخلاف الإرث ، فإنه قهري . اشترى صيدا ، فوجده معيبا وقد أحرم البائع
فرع
لو ، كان مضمونا عليه بالجزاء ، وليس له التعرض له . فإن أرسله ، سقط عنه الجزاء وضمن القيمة للمالك . فإن رد إلى المالك ، لم يسقط عنه الجزاء ما لم يرسله المالك . استعار المحرم صيدا ، أو أودع عنده
[ ص: 153 ] قلت : نقل صاحب " البيان " في باب العارية ، عن الشيخ أبي حامد : أن ، لم يلزمه الجزاء ؛ لأنه لم يمسكه لنفسه . والله أعلم . المحرم إذا استودع صيدا لحلال ، فتلف في يده
فرع
حيث ، فالجزاء على المحرم . وإن قتله محرم آخر ، فهل الجزاء عليهما أم على القاتل ومن في يده ؟ طريق فيه وجهان : صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء ، فإن قتله حلال في يده
قلت : أصحهما : الثاني . والله أعلم .
فرع
لو ، لم يضمن على الأظهر . خلص المحرم صيدا من فم سبع ، أو هرة ، أو نحوهما ، وأخذه ليداويه ويتعهده ، فمات في يده
فرع
، ولا يأثم . وقيل : في وجوب الجزاء عليه قولان . والمذهب : الوجوب . ولو أحرم ثم جن ، فقتل صيدا ، ففي وجوب الجزاء قولان نص عليهما . الناسي كالعامد في وجوب الجزاء
[ ص: 154 ] قلت : أظهرهما : لا تجب . والله أعلم .
فرع
لو الحرم ، فقتله دفعا ، فلا ضمان ، ولو ركب إنسان صيدا ، وصال على محرم ، ولا يمكنه دفعه إلا بقتل الصيد ، فقتله ، فالمذهب : وجوب الجزاء على المحرم ، وبه قطع الأكثرون ؛ لأن الأذى ليس من الصيد . وحكى الإمام أن صال صيد على محرم ، أو في القفال ذكر فيه وجهين . أحدهما : الضمان على الراكب ، ولا يطالب به المحرم . والثاني : يطالب المحرم ، ويرجع بما غرم على الراكب .
فرع
لو ذبح صيدا في مخمصة وأكله ، ضمن ؛ لأنه أهلكه لمنفعته من غير إيذاء من الصيد . ولو ، فوجهان . أحدهما : الجزاء على الآمر . والثاني : على المحرم ويرجع به على الآمر ، سواء صيد أكره محرم على قتل صيد ، فقتله الحرم أو الإحرام .
قلت : الثاني أصح . والله أعلم .
فرع
ذكرنا أن الجراد وبيضه مضمونان بالقيمة . فلو وطئه عامدا أو جاهلا ، ضمن . ولو عم المسالك ولم يجد بدا من وطئه ، فوطئه ، فالأظهر : أنه لا ضمان . وقيل : [ ص: 155 ] لا ضمان قطعا ، ولو باض صيد في [ فراشه ] ولم يمكنه رفعه إلا بالتعرض للبيض ، ففسد بذلك ، ففيه هذا الخلاف .
فرع
إذا ؟ فيه قولان . الجديد : أنه ميتة . فعلى هذا إن كان مملوكا وجب مع الجزاء قيمته للمالك . والقديم : لا يكون ميتة ، فيحل لغيره . فإن كان مملوكا ، لزمه مع الجزاء ما بين قيمته مذبوحا وحيا . وهل يحل له بعد زوال الإحرام ؟ وجهان . أصحهما : لا . وفي صيد ذبح المحرم صيدا ، لم يحل له الأكل منه . وهل يحل لغيره أم يكون ميتة الحرم إذا ذبح : طريقان . أصحهما : طرد القولين . والثاني : القطع بالمنع ؛ لأنه محرم على جميع الناس ، وفي جميع الأحوال .
قلت : قال صاحب " البحر " : قال أصحابنا : إذا كسر بيض صيد ، فحكم البيض حكم الصيد إذا ذبحه ، فيحرم عليه قطعا . وفي غيره القولان . وكذا إذا كسره في الحرم . قال أصحابنا : وكذا لو ، قال : وقيل : يحل البيض لغيره قطعا ، بخلاف الصيد المذبوح على أحد القولين ؛ لأن إباحته تقف على الذكاة ، بخلاف البيض . وعلى هذا لو بلعه إنسان قبل كسره ، لم يحرم . وهذا اختيار الشيخ قتل المحرم الجراد أبي حامد ، والقاضي . قال الطبري الروياني : وهو الصحيح . والله أعلم .
[ ص: 156 ]