فصل
قدمنا أن ، وأن الشاة إذا جعلها أضحية ، هل يكفيه ذلك عن تجديد النية عند الذبح ؟ وجهان . الأصح : لا يكفيه . فإن [ ص: 208 ] قلنا : يكفيه ، استحب التجديد . ومهما كان في ملكه ، بدنة أو شاة ، فقال : جعلت هذا ضحية ، أو هذه ضحية ، أو علي أن أضحي بها ، صارت ضحية معينة . وكذا لو قال : جعلت هذه هديا ، أو هذا هدي ، أو علي أن أهدي النية شرط في التضحية
[ هذه ] ، صار هديا . وشرط بعضهم أن يقول مع ذلك : لله تعالى ، والمذهب : أنه ليس بشرط . وقد صرح الأصحاب بزوال الملك عن الهدي والأضحية المعينين ، كما سيأتي تفريعه إن شاء الله تعالى . وكذا لو نذر أن يتصدق بمال معين زال ملكه عنه ، بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه ، لا يزول ملكه
[ عنه ] ما لم يعتقه ؛ لأن الملك في الهدي ، والأضحية ، والمال المعين ، ينتقل إلى المساكين ، وفي العبد لا ينتقل الملك إليه ، بل ينفك الملك بالكلية . أما إذا نوى جعل هذه الشاة هديا ، أو أضحية ، ولم يتلفظ بشيء ، فالمشهور الجديد : أنها لا تصير . وقال في القديم : تصير ، واختاره ابن سريح والاصطخري . وعلى هذا ، فيما يصير به هديا ، أو أضحية أوجه :
أحدها : بمجرد النية ، كما يدخل في الصوم بالنية ، وبهذا قال ابن سريج . والثاني : بالنية والتقليد أو الإشعار ، لتنضم الدلالة الظاهرة إلى النية ، قاله الاصطخري . والثالث : بالنية والذبح ؛ لأن المقصود به كالقبض في الهبة . والرابع : بالنية والسوق إلى المذبح . ولو لزمه هدي أو أضحية بالنذر ، فقال : عينت هذه الشاة لنذري ، أو جعلتها عن نذري ، أو قال : لله علي أن أضحي بها عما في ذمتي ، ففي تعينها وجهان : الصحيح ، التعين وبه قطع الأكثرون .
وحكى الإمام هذا الخلاف في صور رتب بعضها على بعض ، فلنوردها بزوائد ؛ فلو قال ابتداء : علي التضحية بهذه البدنة أو الشاة ، لزمه التضحية قطعا ، وتتعين تلك الشاة على الصحيح . ولو قال : علي أن أعتق هذا العبد ، لزمه العتق ، وفي تعيين هذا العبد ، وجهان مرتبان على الخلاف في مثل هذه الصورة من الأضحية ، والعبد أولى بالتعيين ؛ لأنه ذو حق في العتق ، بخلاف الأضحية . فلو نذر إعتاق عبد ، ثم عين عبدا عما التزم ، فالخلاف مرتب على الخلاف في مثله في الأضحية . ولو قال : جعلت هذا [ ص: 209 ] العبد عتيقا ، لم يخف حكمه ، ولو قال : جعلت هذا المال ، أو هذه الدراهم صدقة ، تعينت على الأصح كشاة الأضحية ، وعلى الثاني ، لا ؛ إذ لا فائدة في تعيين الدراهم لتساويها ، بخلاف الشاة . ولو قال : عينت هذه الدراهم عما في ذمتي من زكاة أو نذر ، لغا التعيين باتفاق أصحاب ، كذا نقله الإمام ؛ لأن التعيين في الدراهم ضعيف ، وتعيين ما في الذمة ضعيف ، فيجتمع سببا ضعف . قال : و
[ قد ] يقاس بتعيين الدراهم ، كديون الآدميين ، وقال : لا تخلو الصورة عن احتمال .
فرع
سبق بيان وقت ضحية التطوع ، فلو أراد التطوع بالذبح وتفريق اللحم بعد أيام التشريق ، لم يحصل له أضحية ولا ثوابها ، لكن يحصل ثواب صدقة . ولو قال : جعلت هذه الشاة ضحية ، فوقتها وقت المتطوع بها . ولو ؟ وجهان : أحدهما : لا ، لأنها في الذمة كدماء الجبران . وأصحهما : نعم ؛ لأنه التزم ضحية في الذمة ، والضحية مؤقتة ، وهذا موافق ، نقل قال : لله علي أن أضحي بشاة ، فهل تتوقت بذلك الوقت الروياني عن الأصحاب : أنه لا تجوز التضحية بعد أيام التشريق ، إلا واحدة ، وهي التي أوجبها في أيام التشريق أو قبلها ، ولم يذبحها حتى فات الوقت ، فإنه يذبحها قضاء . فإن قلنا : لا تتوقت ، فالتزم بالنذر ضحية ، ثم عين واحدة عن نذره ، وقلنا : إنها تتعين ، فهل تتوقت التضحية بها ؟ وجهان : أصحهما : لا .
[ ص: 210 ]