الركن الثالث : ، هي ثلاثة أقسام . آلة الذبح والاصطياد
الأول : المحددات الجارحة بحدها من الحديد ، كالسيف ، والسكين ، والسهم ، والرمح ، أو من الرصاص أو من النحاس أو الذهب أو الخشب المحدد ، أو القصب أو الزجاج أو الحجر ، فيحصل الذبح بجميعها ، ويحل الصيد المقتول بها ، إلا الظفر والسن وسائر العظام ، فإنه لا يحل بها ، سواء عظم الآدمي وغيره ، المتصل
[ والمنفصل ] .
وفي وجه : أن عظم المأكول تحصل الذكاة به ، وهو شاذ ضعيف . ولو ركب عظما على سهم ، وجعله نصلا له ، فقتل به صيدا ، لم يحل على المشهور .
القسم الثاني : الآلات المثقلات ، إذا أثرت بثقلها دقا أو خنقا ، لم يحل الحيوان ، وكذا المحدد إذا قتل بثقله ، بل لا بد من الجرح . فيحرم الطير إذا مات ببندقة رمي بها ، خدشته ، أم لا ، قطعت رأسه ، أم لا . ولو وقع صيد في بئر محفورة له ، فمات بالانصدام ، أو الخنق بأحبولة منصوبة له ، أو كان رأس الحبل بيده ، فجره ومات الصيد ، أو مات بسهم لا نصل فيه ولا حد له ، أو بثقل السيف ، أو مات الطير الضعيف بإصابة عرض السهم ، أو قتل بسوط ، أو عصا ، فكله حرام . ولو ذبح بحديدة لا تقطع ، لم يحل ؛ لأن القطع هنا بقوة الذابح وشدة الاعتماد ، لا بالآلة .
ولو خسق فيه العصا ونحوه ، حكى الروياني : أنه إن كان محددا يمور مور السلاح ، فهو حلال . وإن كان لا يمور إلا مستكرها ، نظر ، إن كان العود خفيفا قريبا من السهم ، حل . وإن كان ثقيلا ، لم يحل .
[ ص: 244 ] فرع
إذا لم يجرح الكلب الصيد ، لكن تحامل عليه ، فقتله بضغطته ، حل على الأظهر .
فرع
إذا مات الصيد بشيئين : محرم ، ومبيح ، بأن مات بسهم وبندقة أصاباه من رام أو راميين ، أو يصيب الصيد طرف من النصل ، فيجرحه ويؤثر فيه عرض السهم في مروره فيموت منهما ، أو يرمي إلى صيد سهما فيقع على طرف سطح ، ثم يسقط منه ، أو على جبل فيتدهور منه ، أو يقع في ماء ، أو على شجر فينصدم بأغصانه ، أو يقع على محدد من سكين وغيره ، فكل هذا حرام .
ولو تدحرج المجروح من الجبل من جنب إلى جنب ، حل ، ولا يضر ذلك ؛ لأنه لا يؤثر في التلف . وإن أصاب السهم الطائر في الهواء فوقع على الأرض ومات ، حل ، سواء مات قبل وصوله الأرض أو بعده ؛ لأنه لا بد من الوقوع ، فعفي عنه ، كما لو كان
[ الصيد ] قائما فأصابه السهم ووقع على جنبه وانصدم بالأرض ومات ، فإنه يحل . ولو زحف قليلا بعد إصابة السهم ، فهو كالوقوع على الأرض ، فيحل . ولو لم يجرحه السهم في الهواء ، لكن كسر جناحه فوقع ومات ، فحرام ؛ لأنه لم يصبه جرح يحال الموت عليه .
ولو كان الجرح خفيفا لا يؤثر مثله ، لكن عطل جناحه فسقط ومات ، فحرام . ولو جرحه السهم في الهواء فوقع في بئر ، إن كان فيها ماء ، فقد سبق بيانه ، وإلا ، فهو حلال ، وقعر البئر كالأرض . والمراد : إذا لم تصادمه جدران البئر . ولو كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فوقع على الأرض ومات ، [ ص: 245 ] حل . وإن وقع على غصن ثم على الأرض ، لم يحل . وليس الانصدام بالأغصان ، أو بأحرف الجبل عند التدهور من أعلاه ، كالانصدام بالأرض ، فإن ذلك الانصدام ليس بلازم ولا غالب ، والانصدام بالأرض ، لازم . وللإمام احتمال في الصورتين ، لكثرة وقوع الطير على الشجر ، والانصدام بطرف الجبل إذا كان الصيد فيه .
فرع
إذا رمي طير الماء ، إن كان على وجه الماء فأصابه ومات ، حل ، والماء له كالأرض . وإن كان خارج الماء ، ووقع فيه بعد إصابة السهم ، ففي حله وجهان ذكرهما في " الحاوي " . وقطع في " التهذيب " : بالتحريم . وفي شرح " مختصر الجويني " : بالحل . فلو كان الطائر في هواء البحر ، قال في " التهذيب " : إن كان الرامي في البر ، لم يحل . وإن كان في السفينة في البحر ، حل .
فرع
جميع ما ذكرنا فيما إذا لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح . فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم والمريء ، أو غيره ، فقد تمت ذكاته ، ولا أثر لما يعرض بعده .
فرع
لو أرسل كلب في عنقه قلادة محددة ، فجرح الصيد بها ، حل كما لو أرسل سهما ، قاله في " التهذيب " . وقد يفرق بأنه قصد بالسهم الصيد ، ولم يقصده بالقلادة .
[ ص: 246 ] القسم الثالث : الجوارح ، فيجوز الاصطياد بجوارح السباع ، كالكلب ، والفهد ، والنمر ، وغيرها . وبجوارح الطير ، كالبازي ، والشاهين ، والصقر . وفي وجه يحكى عن أبي بكر الفارسي : لا يجوز الاصطياد بالكلب الأسود ، وهو شاذ ضعيف . والمراد بجواز الاصطياد بها : أن ما أخذته وجرحته وأدركه صاحبها ميتا ، أو في حركة المذبوح ، حل أكله .
ويقوم إرسال الصائد وجرح الجارح في أي موضع كان ، مقام الذبح في المقدور عليه . وأما الاصطياد بمعنى إثبات الملك ، فلا يختص ، بل يحصل بأي طريق تيسر . ثم يشترط لحل ما قتله الجوارح ، كون الجارح معلما . فإن لم يكن معلما ، لم يحل ما قتله . فإن أدرك وفيه حياة مستقرة ، ذكاه كغيره . ويشترط في كون الكلب معلما ، أربعة أمور .
أحدها : أن ينزجر بزجر صاحبه ، كذا أطلقه الجمهور ، وهو المذهب . وقال الإمام : يعتبر ذلك في ابتداء الأمر . فأما إذا انطلق واشتد عدوه ، ففي اشتراطه وجهان . أصحهما يشترط .
الثاني : أن يسترسل بإرساله . ومعناه : أنه إذا أغري بالصيد هاج .
الثالث : أن يمسك الصيد فيحبسه على صاحبه ، ولا يخليه .
الرابع : أن لا يأكل منه على المشهور . وفي قول شاذ : لا يضر الأكل . هذا حكم الكلب ، وما في معناه من جوارح السباع . وذكر الإمام : أن ظاهر المذهب : أنه يشترط أيضا أن ينطلق بإطلاق صاحبه ، وأنه لو انطلق بنفسه ، لم يكن معلما . ورآه الإمام مشكلا ، من حيث إن الكلب على أي صفة كان ، إذا رأى صيدا بالقرب منه وهو على كلب الجوع ، يبعد انكفافه .
وأما جوارح الطير ، فيشترط فيها أن تهيج عند الإغراء أيضا . ويشترط ترك أكلها من الصيد أيضا على الأظهر . قال الإمام : ولا يطمع في انزجارها بعد الطيران ، ويبعد أيضا اشتراط انكفافها في أول الأمر .
[ ص: 247 ] ثم في الفصل مسائل :
إحداها : الأمور المشترطة في التعليم ، يشترط تكررها ليغلب على الظن تأدب الجارحة . والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح ، على الصحيح الذي اقتضاه كلام الجمهور . وقيل : يشترط تكرره ثلاث مرات . وقيل : مرتين .
الثانية : إذا ظهر أنه معلم ، ثم أكل من صيد قبل قتله أو بعده ، ففي حل ذلك الصيد قولان . أظهرهما : لا يحل . قال الإمام : وددت لو فصل فاصل بين أن ينكف زمانا ثم يأكل ، وبين أن يأكل بنفس الأخذ ، لكن لم يتعرضوا له .
قلت : فصل الجرجاني وغيره فقالوا : إن أكل عقيب القتل ، ففيه القولان ، وإلا ، فيحل قطعا . والله أعلم .
فإذا قلنا بالتحريم ، فلا بد من استئناف التعليم ، ولا ينعطف التحريم على ما اصطاده من قبل . فإذا قلنا بالحل ، فتكرر أكله وصار عادة له ، حرم الصيد الذي أكل منه بلا خلاف . وفي تحريم الصيود التي أكل منها من قبل ، وجهان ، وقد ترجح منهما التحريم . قال في " التهذيب " : إذا أكل من الصيد الثاني ، حرم ، وفي الأول ، الوجهان . وإذا أكل من الثالث ، حرم ، وفيما قبله ، الوجهان . وهذا ذهاب إلى أن الأكل مرتين ، يخرجه عن كونه معلما . وقد ذكرنا خلافا في تكرر الصفات التي يصير بها معلما ، ويجوز أن يفرق بينهما بأن أثر التعليم في الحل ، وأثر الأكل في التحريم ، فعملنا بالاحتياط فيهما . وعلى هذا ، لو عرفنا كونه معلما ، لم ينعطف الحل على ما سبق بلا خلاف . وفي انعطاف التحريم ، الخلاف المذكور . ولو لعق الكلب الدم ، لم يضر على المذهب . وأشار الإمام إلى وجه ضعيف . ولو أكل حشوة الصيد ، فطريقان . أصحهما : على قولي اللحم . والثاني : القطع بالحل ، لأنها غير مقصودة كالدم . ولو لم يسترسل عند الإرسال ، أو لم ينزجر عند الزجر ، فينبغي أن يكون في تحريم الصيد وخروجه عن كونه معلما ، [ ص: 248 ] الخلاف في الأكل قال القفال : لو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع ، وصار يقاتل دونه ، فهو كالأكل . وجوارح الطير إذا أكلت منه ، وقلنا : يشترط في التعليم تركها الأكل ، فطريقان . أصحهما : طرد القولين كالكلب . والثاني : القطع بالحل .
الثالثة : نجس ، يجب غسله سبعا مع التعفير كغيره . فإذا غسل ، حل أكله ، هذا هو المذهب . وقيل : إنه طاهر . وقيل : نجس يعفى عنه ويحل أكله بلا غسل . وقيل : نجس لا يطهر بالغسل ، بل يجب تقوير ذلك الموضع وطرحه ؛ لأنه يتشرب لعابه ، فلا يتخلله الماء . قال الإمام : وهذا القائل ، يطرد ما ذكره في كل لحم ، وما في معناه بعضة الكلب ، بخلاف موضع يناله لعابه بغير عض . وقيل : إن أصاب ناب الكلب عرقا نضاخا بالدم ، سرى حكم النجاسة إلى جميع الصيد ، ولم يحل أكله . قال الإمام : هذا غلط ؛ لأن النجاسة وإن اتصلت بالدم ، فالعرق وعاء حاجز بينه وبين اللحم ، ثم الدم إذا كان يفور ، امتنع غوص النجاسة فيه كالماء المتصعد من فوارة ، إذا وقعت نجاسة على أعلاه ، لم ينجس ما تحته . معض الكلب من الصيد
فرع
ذكرنا أن النمر والفهد ، كالكلب في حل ما قتلاه . وهكذا نص عليه والأصحاب . وذكر الإمام : أن الفهد يبعد فيه التعلم ، لأنفته وعدم انقياده . فإن تصور تعلمه على ندور ، فهو كالكلب . وهذا الذي قاله ، لا يخالف ما قاله الشافعي والأصحاب . وفي كلام الشافعي ما يوهم خلاف هذا ، وهو محمول على ما ذكره الإمام ، فلا خلاف فيه . الغزالي