فصل
إذا . فإن كان المتحول ملكا للأول ، لم يزل ملكه عنه ، ويلزم الثاني رده . فإن حصل بينهما بيض أو فرخ ، فهو تبع للأنثى دون الذكر . ولو ادعى تحول حمامه إلى برج غيره ، لم يصدق إلا ببينة ، والورع أن يصدقه ، إلا أن يعلم كذبه . وإن كان المتحول مباحا دخل برج الأول ، فعلى الخلاف السابق في دخول الصيد ملكه . فإن قلنا بالأصح : إنه لا يملكه ، فللثاني أن يتملكه ، ومن تحول بعض حمام برجه إلى برج غيره ؟ فهو أولى به وله التصرف فيه ؛ لأن الظاهر أنه مباح . ولو تحقق أنه اختلط بملكه ملك غيره ، وعسر التمييز ، ففي " التهذيب " : أنه لو اختلطت حمامة واحدة بحماماته ، فله أن يأكل بالاجتهاد واحدة واحدة حتى تبقى واحدة . كما لو اختلطت ثمرة الغير بثمره . والذي حكاه دخل برجه حمام وشك هل هو مباح أم مملوك الروياني : أنه ليس له أن يأكل واحدة منها حتى يصالح [ ص: 259 ] ذلك الغير أو يقاسمه . ولهذا قال بعض مشايخنا : ينبغي للمتقي أن يجتنب طير البروج ، وأن يجتنب بناءها . ونقل الإمام وغيره : أنه ليس لواحد منهما التصرف في شيء منها ببيع أو هبة لثالث ؛ لأنه لا يتحقق الملك . ولو باع أحدهما أو وهب للآخر ، صح على الأصح ، وتحتمل الجهالة للضرورة . ولو باعا الحمام المختلط كله أو بعضه لثالث ، ولا يعلم كل واحد منهما عين ماله ، فإن كانت الأعداد معلومة كمائتين ومائة ، والقيمة متساوية ، ووزعا الثمن على أعدادهما ، صح البيع باتفاق الأصحاب ، وإن جهلا العدد ، لم يصح ؛ لأنه لا يعلم كل واحد حصته من الثمن . فالطريق أن يقول كل واحد : بعتك الحمام الذي لي في هذا البرج بكذا ، فيكون الثمن معلوما . ويحتمل الجهل في المبيع للضرورة . قال في " الوسيط " : لو تصالحا على شيء ، صح البيع واحتمل الجهل بقدر المبيع ، ويقرب من هذا ، ما أطلق في مقاسمتهما .
واعلم أن الضرورة قد تجوز المسامحة ببعض الشروط المعتبرة في العقود ، كالكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار ، يصح اصطلاحهن على القسمة بالتساوي أو بالتفاوت مع الجهل بالاستحقاق ، فيجوز أن تصح القسمة هنا أيضا بحسب تراضيهما ، ويجوز أن يقال : إذا قال كل منهما : بعت ما لي من حمام هذا البرج بكذا ، والأعداد مجهولة ، يصح أيضا مع الجهل بما يستحق كل واحد منهما ، والمقصود أن ينفصل الأمر بحسب ما يتراضيان عليه ولو باع أحدهما جميع حمام البرج بإذن الآخر ، فيكون أصيلا في البعض ووكيلا في البعض ، جاز ، ثم يقتسمان الثمن .
[ ص: 260 ] فرع
لو ، لم يجز الاصطياد منها . ولو اختلطت بحمام ناحية ، جاز الاصطياد في الناحية . ولا يتغير حكم ما لا يحصر في العادة باختلاط ما يحصر به . وإن اختلطت حمامة مملوكة ، أو حمامات بحمامات مباحة محصورة ، ففي جواز الاصطياد منها وجهان . أصحهما : يجوز ، وإليه ميل معظم الأصحاب . اختلط حمام أبراج مملوكة لا يكاد يحصر بحمام بلدة أخرى مباحة
قلت : من أهم ما يجب معرفته ، ضبط العدد المحصور ، فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من بينه ، قال في " الإحياء " في كتاب الحلال والحرام : تحديد هذا غير ممكن ، وإنما يضبط بالتقريب . قال : فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد ، يعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر ، كالألف ونحوه ، فهو غير محصور . وما سهل كالعشرة والعشرين ، فهو محصور ، وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن . وما وقع فيه الشك ، استفتي فيه القلب . والله أعلم . الغزالي
فرع
إذا انثالت حنطته على حنطة غيره ، أو انصب مائعه في مائعه ، وجهلا قدرهما ، فليكن الحكم فيهما على ما ذكرنا في الحمام المختلط .
[ ص: 261 ] فرع
لو ملك الماء بالاستقاء ، ثم انصب في نهر ، لم يزل ملكه منه ، ولا يمنع الناس من الاستقاء ، وهو في حكم اختلاط المحصور بغير محصور .
قلت : ولو اختلط درهم حرام ، أو درهم بدراهمه ولم تتميز ، أو دهن بدهن ، أو نحو ذلك ، قال في " الإحياء " وغيره من أصحابنا : طريقه أن يفصل قدر الحرام فيصرفه إلى الجهة التي يحب صرفه إليها ، ويبقى الباقي له يتصرف فيه بما أراد . والله أعلم . الغزالي