الركن الثاني : . فلا يصح النذر إلا باللفظ . وفي قول قديم : تصير الشاة ونحوها هديا وأضحية بالنية وحدها ، أو بها مع التقليد كما سبق في بابه . ثم الصيغة قسمان . النذر
أحدهما : نذر التبرر ، وهو نوعان .
أحدهما : نذر المجازاة ، وهو أن يلتزم قربة في مقابلة حدوث نعمة ، أو اندفاع [ ص: 294 ] بلية ، كقوله : إن شفى الله مريضي ، أو رزقني ولدا ، فلله علي إعتاق ، أو صوم ، أو صلاة . فإذا حصل المعلق عليه ، لزمه الوفاء بما التزم . ولو قال : فعلي ، ولم يقل : فلله علي ، فالصحيح : أنه كذلك . وقيل : لا بد من التصريح بذكر الله تعالى ، وهو قريب من الخلاف في وجوب الإضافة إلى الله تعالى في نية الوضوء والصلاة .
النوع الثاني : أن يلتزم ابتداء من غير تعليق على شيء ، فيقول : لله علي أن أصلي أو أصوم أو أعتق ، فقولان . وقيل : وجهان . أظهرهما : يصح ، ويلزم الوفاء به . والثاني : لا يصح ، ولا يلزمه شيء .
فرع :
لو ، فقال : لله علي كذا إن شاء الله تعالى ، لم يلزمه شيء ، كما هو في تعقيب الأيمان ، والطلاق ، والعقود . ولو قال : لله علي كذا إن شاء زيد ، لم يلزمه شيء وإن شاء زيد . عقب النذر بالمشيئة
القسم الثاني : ، وهو أن يمنع نفسه من فعل ، أو يحثها عليه بتعليق التزام قربة بالفعل أو بالترك . ويقال فيه : يمين اللجاج والغضب . ويقال له أيضا : يمين الغلق . ويقال : نذر الغلق - بفتح العين المعجمة واللام - فإذا قال : إن كلمت فلانا ، أو دخلت الدار ، أو إن لم أخرج من البلد ، فلله علي صوم شهر ، أو صلاة ، أو حج ، أو إعتاق رقبة ، ثم كلمه ، أو دخل ، أو لم يخرج ، ففيما يلزمه طرق . أشهرها : على ثلاثة أقوال . نذر اللجاج والغضب
أحدها : يلزمه الوفاء بما التزم . والثاني : يلزمه كفارة يمين . والثالث : يتخير بينهما ، وهذا الثالث هو الأظهر عند العراقيين ، لكن الأظهر على ما ذكره صاحب " التهذيب " ، والروياني وإبراهيم المروذي ، والموفق بن طاهر ، وغيرهم - وجوب [ ص: 295 ] الكفارة . والطريق الثاني : القطع بالتخيير . والثالث : نفي التخيير ، والاقتصار على القولين الأولين . والرابع : الاقتصار على التخيير وقول وجوب الكفارة ، ونفي القول الأول . والخامس : الاقتصار على التخيير ، ولزوم الوفاء ، ونفي وجوب الكفارة .
قلت : الأظهر : التخيير بين الجميع . والله أعلم .
فإن قلنا بوجوب الكفارة ، فوفى بما التزم ، لم تسقط الكفارة على الأصح ، فإن كان الملتزم من جنس ما تتأدى به الكفارة ، فالزيادة على قدر الكفارة تقع تطوعا . وإن قلنا بالتخيير ، فلا فرق بين الحج والعمرة ، وسائر العبادات . وخرج قول : إنه يلزم الوفاء بهما خاصة ؛ لعظم أمرهما ، كما يلزمان بالشروع .
فرع :
إذا ، فإن قلنا : واجبه الوفاء بما التزم أعتقه كيف كان . وإن قلنا : عليه كفارة يمين فإن كان بحيث يجزئ [ في الكفارة ] فله أن يعتقه أو يعتق غيره ، أو يطعم ، أو يكسو . وإن كان بحيث لا يجزئ ، واختار الإعتاق ، أعتق غيره . وإن قلنا : يتخير ، فإن اختار الوفاء ، أعتقه كيف كان ، وإن اختار التكفير ، اعتبر في إعتاقه صفات الإجزاء . وإن التزم إعتاق عبيده ، فإن أوجبنا الوفاء أعتقهم . وإن أوجبنا الكفارة أعتق واحدا ، أو أطعم ، أو كسا . وإن قال : إن فعلت كذا ، فعبدي حر ، وقع العتق إذا فعله بلا خلاف . التزم على وجه اللجاج إعتاق عبد بعينه
[ ص: 296 ] فرع :
لو ، نص قال : إن فعلت كذا ، فعلي نذر ، أو فلله علي نذر - رحمه الله - : أنه يلزمه كفارة يمين ، وبهذا قطع صاحب " التهذيب " الشافعي وإبراهيم المروذي . وقال القاضي حسين وغيره : هذا تفريع على قولنا : تجب الكفارة . فأما إن أوجبنا الوفاء ، فيلزمه قربة من القرب ، والتعيين إليه ، وليكن ما يعينه مما يلتزم بالنذر . وعلى قول التخيير : يتخير بين ما ذكرنا وبين الكفارة . ولو قال : إن فعلت كذا فعلي كفارة يمين ، فالواجب كفارة على الأقوال كلها . ولو قال : فعلي يمين ، أو فلله علي يمين فالصحيح : أنه لغو ؛ لأنه لم يأت بنذر ولا صيغة يمين ، وليست اليمين مما يثبت في الذمة . وقيل : يلزمه كفارة يمين إذا فعله . قال الإمام : وعلى هذا ، فالوجه : أن يجعل كناية ويرجع إلى نيته . ولو قال : نذرت لله لأفعلن كذا ، فإن نوى اليمين ، فهو يمين . وإن أطلق فوجهان . ولو ، فإن أوجبنا الوفاء ، لزمه ما التزمه ، وإن أوجبنا الكفارة ، لزمه كفارة واحدة على المذهب . وعن الشيخ عدد أجناس قرب ، فقال : إن دخلت فعلي حج ، وعتق ، وصدقة أبي محمد احتمال في تعددها . ولو ، قال في " التهذيب " : المذهب أنه يمين ، وعليه كفارة يمين إن لم يدخل . وكذا لو قال ابتداء : لله علي أن أدخل الدار اليوم ، فهو كقوله : إن دخلت الدار فوالله لأطلقنك حتى إذا مات أحدهما قبل التطليق ، لزمه كفارة يمين . ولو قال : إن دخلت الدار فلله علي أن آكل الخبز ، فدخلها ، لزمه كفارة يمين على الصحيح . وقيل : هو لغو . قال لامرأته : إن دخلت الدار ، فلله علي أن أطلقك
[ ص: 297 ] فرع :
لو ، ففيه أوجه : قال ابتداء : مالي صدقة ، أو في سبيل الله
أحدها وهو الأصح عند ، وقطع به القاضي الغزالي حسين : أنه لغو ؛ لأنه لم يأت بصيغة التزام . والثاني : أنه كما لو ، فيلزمه التصدق . والثالث : يصير ماله بهذا اللفظ صدقة ، كما لو قال : لله علي أن أتصدق بمالي . وقال في التتمة : إن كان المفهوم من اللفظ في عرفهم معنى النذر ، أو نواه ، فهو كما لو قال : لله علي أن أتصدق بمالي أو أنفقه في سبيل الله ، وإلا فلغو . وأما إذا قال : جعلت هذه الشاة أضحية ، فالمذهب الذي قطع به الجمهور ونص عليه قال : إن كلمت فلانا ، أو فعلت كذا ، فمالي صدقة - رحمه الله - : أنه بمنزلة قوله : فعلي أن أتصدق بمالي ، أو بجميع مالي . وطريق الوفاء : أن يتصدق بجميع أمواله . وإذا قال : في سبيل الله ، يتصدق بجميع أمواله على الغزاة . وقال إمام الحرمين ، الشافعي : يخرج هذا على الأوجه الثلاثة في الصورة الأولى . والمعتمد ، ما نص عليه وقاله الجمهور . والغزالي
فرع :
، فتحتمل نذر التبرر ، وتحتمل نذر اللجاج ، فيرجع فيها إلى قصد الشخص وإرادته ، وفرقوا بينهما ، بأنه في نذر التبرر يرغب في السبب ، وهو شفاء المريض مثلا بالتزام المسبب ، وهو القربة المسماة . وفي اللجاج يرغب عن السبب لكراهته الملتزم . وذكر الأصحاب في ضبطه ، أن الفعل إما طاعة [ ص: 298 ] وإما معصية ، وإما مباح . والالتزام في كل واحد منهما ، تارة يعلق بالإثبات ، وتارة بالنفي . الصيغة قد تتردد
أما الطاعة ، ففي طرف الإثبات يتصور نذر التبرر ، بأن ، معناه : إن وفقني الله للصلاة ، صمت . فإذا وفق لها ، لزمه الصوم . ويتصور اللجاج ، بأن يقال له : صل ، فيقول : لا أصلي ، وإن صليت فعلي صوم أو عتق ، فإذا صلى ، ففيما يلزمه الأقوال والطرق السابقة . وأما في طرف النفي ، فلا يتصور نذر التبرر ؛ لأنه لا بر في ترك الطاعة ، ويدخله اللجاج ، بأن يمنع من الصلاة ، فيقول : إن لم أصل ، فلله علي كذا ، فإذا لم يصل ، ففيما يلزمه الأقوال . يقول : إن صليت ، فلله علي صوم يوم
وأما المعصية ففي طرف النفي يتصور نذر التبرر ، بأن يقول : إن لم أشرب الخمر ، فلله علي كذا ، ويقصد : إن عصمني الله من الشرب . ويتصور نذر اللجاج بأن يمنع من شربها ، ويقول : إن لم أشربها ، فلله علي صوم أو صلاة . وفي طرف الإثبات لا يتصور إلا اللجاج ، بأن يؤمر بالشرب ، فيقول : إن شربت ، فلله علي كذا .
وأما المباح ، فيتصور في طرفي النفي والإثبات فيه النوعان معا . فالتبرر في الإثبات : إن أكلت كذا ، فلله علي صوم ، يريد : إن يسره الله تعالى لي . واللجاج ، أن يؤمر بأكله فيقول : إن أكلت فلله علي كذا . والتبرر في النفي : إن لم آكل كذا ، فلله علي صوم ، يريد : إن أعانني الله تعالى على كسر شهوتي فتركته . واللجاج أن يمنع من أكله فيقول : إن لم آكله فلله علي كذا . وإن قال : إن رأيت فلانا ، فعلي صوم . فإن أراد : إن رزقني الله رؤيته ، فهو نذر تبرر . وإن ذكره لكراهته رؤيته ، فهو لجاج . وفي الوسيط وجه في منع التبرر في المباح .
[ ص: 299 ] فرع :
لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قوله : فعلي كذا ، وبين قوله : فلله علي كذا ، هذا هو الصحيح . وفي وجه : لا يلزمه شيء إذا لم يذكر الله تعالى .
فرع :
لو - قال أصحابنا : كانت البيعة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمصافحة ، فلما ولي قال : أيمان البيعة لازمة لي الحجاج ، رتبها أيمانا تشتمل على ذكر اسم الله تعالى ، وعلى الطلاق ، والإعتاق ، والحج ، وصدقة المال - فإن يرد القائل الأيمان التي رتبها الحجاج ، لم يلزمه شيء . وإن أرادها نظر إن قال : فطلاقها وعتاقها لازم لي وانعقدت يمينه بهما ولا حاجة إلى النية . وإن لم يصرح بذكرهما ، لكن نواهما ، فكذلك ؛ لأنهما ينعقدان بالكناية مع النية . وإن نوى اليمين بالله تعالى ، أو لم ينو شيئا ، لم تنعقد يمينه ، ولا شيء عليه .
فرع :
نص - رضي الله عنه - في الشافعي ، أنه لو قال : إن فعلت كذا ، فلله علي نذر حج إن شاء فلان ، فشاء ، لم يكن عليه شيء . قال في التتمة : هذا إذا غلبنا في اللجاج معنى في النذر . فإن قلنا : هو يمين ، فهو كمن قال : والله لا أفعل كذا إن شاء زيد ، وسيأتي في الأيمان إن شاء الله تعالى أن من قال : والله لا أدخلها إن شاء فلان أن لا أدخلها . فإن شاء فلان ، انعقدت يمينه عند المشيئة ، وإلا فلا . نذر اللجاج