النوع الثالث : إتيان المساجد . فإذا ، لزمه إتيانه على المذهب . وقيل : في لزومه قولان . ولو قال : لله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام ، أو آتيه ، أو أمشي إلى البيت الحرام ، فوجهان ، أو قولان . قال : أمشي إلى بيت الله ، أو آتيه ، ولم يقل : الحرام
أحدهما : يحمل على البيت الحرام . وأصحهما : لا ينعقد نذره ، إلا أن ينوي البيت الحرام . ولو قال : أمشي إلى الحرام ، أو المسجد الحرام ، أو إلى مكة ، أو ذكر بقعة أخرى من بقاع الحرم ، كالصفا ، والمروة ، ومسجد الخيف ، ومنى ، ومزدلفة ، ومقام إبراهيم ، وقبة زمزم ، وغيرها ، فهو كما لو قال : إلى بيت الله الحرام . حتى لو قال : آتي دار أبي جهل ، أو دار الخيزران ، كان الحكم كذلك ؛ لشمول حرمة الحرم في تنفير الصيد وغيره . ولو ، فإن أراد التزام الحج وعبر عنه بشهود عرفة ، أو نوى أن يأتيها محرما ، انعقد نذره بالحج . فإن لم ينو ذلك ، لم ينعقد نذره ؛ لأن عرفات من الحل ، فهو كبلد آخر . وعن نذر أن يأتي عرفات : أنه إن نذر إتيان عرفات يوم عرفات ، لزمه أن يأتيها حاجا . وقيد في التتمة هذا الوجه بما إذا قال ذلك يوم عرفة بعد الزوال . وعن القاضي ابن أبي هريرة حسين : الاكتفاء بأن يحصل له شهودها يوم عرفة ، وربما قال بهذا الجواب على الإطلاق . والصحيح ما قدمناه . ولو قال : آتي مر الظهران ، أو بقعة أخرى قريبا من الحرم ، لم يلزمه شيء قطعا ، وسواء في لزوم الإتيان ، لفظ المشي ، والإتيان ، والانتقال ، والذهاب ، والمضي ، والمصير ، والمسير ، ونحوها . ولو نذر أن يمس بثوبه حطيم الكعبة ، فهو كما لو نوى إتيانها .
[ ص: 325 ] ولو نذر أن يأتي مسجد المدينة ، أو المسجد الأقصى ، ففي لزوم إتيانهما قولان . قال في " " : يلزم ، وقال في " الأم " : لا يلزم ، ويلغو النذر . وهذا هو الأظهر عند العراقيين البويطي وغيرهم . والروياني
التفريع : إن قلنا بالمذهب : إنه يلزم إتيان المسجد الحرام بالتزامه ، قال الصيدلاني وغيره : إن حملنا النذر على الواجب شرعا ، لزمه حج أو عمرة ، وهذا نص - رحمه الله - في المسألة ، وهو المذهب . وإن قلنا : لا يحمل على الواجب ، بني على أصل آخر ، وهو أن دخول الشافعي مكة هل يقتضي الإحرام بحج أو عمرة ، أم لا ؟ إن قلنا : نعم ، فإذا أتاه ، لزمه حج أو عمرة . وإن قلنا : لا ، فهو كمسجد المدينة والأقصى ، ففيه القولان في أنه هل يلزم إتيانه ؟ وإذا لزم ، فتفريعه كتفريع المسجدين . أما إذا أوجبنا إتيان مسجد المدينة والأقصى ، فهل يلزمه مع الإتيان شيء آخر ؟ وجهان .
أحدهما : لا ، إذ لم يلتزمه . وأصحهما : نعم ، إذ الإتيان المجرد ليس بقربة . فعلى هذا فيما يلزمه أوجه :
أحدها : يتعين أن يصلي في المسجد الذي أتاه . قال الإمام : الذي أراه أنه لا يلزمه ركعتان ، بل يكفيه ركعة قولا واحدا . وذكر ابن الصباغ والأكثرون : أنه يصلي ركعتين . قال : وهل يكفي أن يصلي فريضة ، أم لا بد من صلاة زائدة ؟ وجهان بناء على وجهين فيمن نذر أن يعتكف شهرا بصوم ، فهل يكفيه أن يعتكف في رمضان ؟ ابن القطان
والوجه الثاني : يتعين أنه يعتكف فيه ولو ساعة ؛ لأن الاعتكاف أخص القربات بالمسجد .
والثالث وهو الأصح : يتخير بينهما ، وبه قطع في " التهذيب " . وقال الشيخ أبو علي : يكفي في مسجد المدينة أن يزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - . وتوقف فيه الإمام من جهة أن الزيارة لا تتعلق بالمسجد وتعظيمه . قال : وقياسه أنه لو تصدق في المسجد ، أو صام يوما ، كفاه . والظاهر : الاكتفاء بالزيارة . وإذا نزلنا المسجد الحرام منزلة المسجدين ، وأوجبنا ضم قربة إلى الإتيان ، ففي تلك القربة أوجه :
أحدها : الصلاة . والثاني : الحج أو العمرة . والثالث : [ ص: 326 ] يتخير . قال الإمام : ولو قيل : يكفي الطواف ، لم يبعد . ثم مهما قال : أمشي إلى بيت الله الحرام ، لم يكن له الركوب على الأصح ، بل يلزمه المشي كما سبق فيما إذا قال : أحج ماشيا . والوجه الآخر : يمشي من الميقات . وذكر القاضي أبو الطيب وكثير من العراقيين : أنه لا خلاف بين الأصحاب أنه يمشي من دويرة أهله . لكن يحرم من دويرة أهله ، أم من الميقات ؟ وجهان . قال أبو إسحاق : من دويرة أهله . وقال صاحب الإفصاح : من الميقات ، وهو الأصح . ولو قال : أمشي إلى مسجد المدينة ، أو الأقصى ، وأوجبنا الإتيان ، ففي وجوب المشي وجهان . أصحهما : الوجوب . ولو كان لفظ الناذر الإتيان ، أو الذهاب ، أو غيرهما مما سوى المشي ، فله الركوب بلا خلاف . وأما إذا ، فلا ينعقد نذره ، إذ ليس في قصدها قربة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : نذر إتيان مسجد آخر سوى الثلاثة . . . الحديث . قال الإمام : كان شيخي يفتي بالمنع من شد الرحال إلى غير هذه المساجد الثلاثة ، وربما كان يقول : يحرم . قال : والظاهر أنه ليس فيه تحريم ولا كراهة ، وبه قال الشيخ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد أبو علي ، ومقصود الحديث ، تخصيص القربة بقصد المساجد الثلاثة .
واعلم أنه سبق في الاعتكاف ، أن من المدينة ، أو الأقصى للاعتكاف ، تعين على الأظهر . والفرق : أن الاعتكاف عبادة في نفسه ، وهو مخصوص بالمسجد ، فإذا كان للمسجد فضل ، فكأنه التزم فضيلة في العبادة الملتزمة ، والإتيان بخلافه ، ويوضحه : أنه لا خلاف في أنه لو عين بنذره مسجد ، لم يلزمه ، وفي مثله في الاعتكاف خلاف . نذر إتيان سائر المساجد
[ ص: 327 ] فرع :
إذا ، لزمه الصلاة لا محالة ، ثم إن عين نذر الصلاة في موضع معين المسجد الحرام ، تعين للصلاة الملتزمة . وإن عين مسجد المدينة أو الأقصى ، فطريقان . قال الأكثرون : في تعيينه القولان في لزوم الإتيان . وقطع المراوزة بالتعيين ، والتعيين هنا أرجح كالاعتكاف ، وإن عين سائر المساجد والمواضع ، لم يتعين . وإذا عين مسجد المدينة أو الأقصى للصلاة ، وقلنا بالتعيين ، فصلى في المسجد الحرام ، خرج عن نذره على الأصح ، بخلاف العكس . وهل تقوم الصلاة في أحدهما مقام الصلاة في الآخر ؟ وجهان .
قلت : فيه وجه ثالث : أنه يقوم مسجد المدينة مقام الأقصى ، دون عكسه .
وهذا هو الأصح ، ونص عليه في " البويطي " . والله أعلم .
وذكر الإمام ، أنه لو قال : أصلي في مسجد المدينة ، فصلى في غيره ألف صلاة ، لم يخرج عن نذره ، كما لو نذر ألف صلاة ، لا يخرج عن نذره بصلاة واحدة في مسجد المدينة ، وأن شيخه كان يقول : لو الكعبة ، فصلى في أطراف المسجد ، خرج عن نذره . نذر صلاة في
فرع :
قد سبق أن المذهب في نذر المشي إلى بيت الله الحرام ، أنه يجب قصده بالحج أو العمرة . فلو قال في نذره : أمشي إلى بيت الله الحرام بلا حج ولا عمرة ، فوجهان .
أحدهما : ينعقد نذره ويلغو قوله : بلا حج ولا عمرة . والثاني : لا ينعقد ، [ ص: 328 ] ثم إذا أتاه ، فإن أوجبنا إحراما لدخول مكة ، لزمه حج أو عمرة . وإن قلنا : لا ، فعلى ما ذكرنا في مسجد المدينة والأقصى .
قلت : أصحهما : ينعقد . والله أعلم .
فرع :
لو قال : أصلي الفرائض في المسجد . قال في الوسيط : يلزمه إذا قلنا : صفات الفرائض تفرد بالالتزام .
فرع :
قال القاضي : إذا نذر أن يزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا . ولو نذر أن يزور قبر غيره ، فوجهان . ابن كج
فرع :
قال في " التتمة " : لو ، انعقد النذر إلى ما نوى ، وإن نوى إلى بيت الله الحرام ، جعل ما نواه كأنه تلفظ به . قال : أمشي ، ونوى بقلبه حاجا أو معتمرا