الركن الثاني : المرهون به ، وله ثلاثة شروط . 
أحدها : كونه دينا  ، فلا يصح بالأعيان المضمونة بحكم العقد ، كالمبيع ، أو بحكم اليد كالمغصوب ، والمستعار ، والمأخوذ على جهة السوم ، وفي وجه ضعيف : يجوز كل ذلك . 
الثاني : كونه ثابتا  ، فلا يصح بما لم يثبت ، بأن رهنه بما يستقرضه ، أو بثمن ما سيشتريه . وفي وجه شاذ : يصح إن عين ما يستقرضه . وفي وجه : لو تراهنا بالثمن ، ثم لم يتفرقا حتى تبايعا  ، صح الرهن إلحاقا للحاصل في المجلس بالمقارن ، والصحيح : الأول . فعلى الصحيح : لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه ، كان مأخوذا على جهة سوم الرهن . فإذا استقرض أو اشترى منه لم يصر دينا إلا برهن جديد . وفي وجه ضعيف : يصير . ولو امتزج الرهن وسبب ثبوت الدين ، بأن قال : بعتك هذا بألف ، وارتهنت هذا الثوب به ، فقال : اشتريت ورهنت  ، أو قال :   [ ص: 54 ] أقرضتك هذه الدراهم ، وارتهنت بها عبدك ، فقال : استقرضتها ورهنته  ، صح الرهن على الأصح ، وهو ظاهر النص . ولو قال البائع : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري اشتريت ورهنت لم يصح لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع . وكذا لو قال : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : رهنت واشتريت ، لتقدم شقي الرهن على شقي البيع ، فالشرط أن يقع أحد شقي الرهن بين شقي البيع ، والآخر بعد شقي البيع . ولو قال : بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب ، فقال : بعت وارتهنت ، بني على الخلاف في مسألة الإيجاب والاستيجاب . ولو قال : بعني بكذا على أن ترهنني دارك ، فقال اشتريت ورهنت  ، فوجهان . 
أحدهما ، يتم العقد بما جرى . قال في " التتمة " هو ظاهر النص . والثاني ، قاله القاضي : لا يتم بل يشترط أن يقول بعده : ارتهنت أو قبلت ؛ لأن الذي وجد منه الشرط إيجاب الرهن لا استيجابه ، كما لو قال : افعل كذا لتبيعني ، لا يكون مستوجبا للبيع ، وهذا أصح عند صاحب التهذيب والأولى أن يفرق ، فإنه لم يصرح في المقيس عليه بالتماس ، وإنما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل ، وهنا باع وشرط الرهن ، وهو يشتمل الالتماس ، أو أبلغ منه . 
الشرط الثالث : كونه لازما    . والديون الثابتة ضربان . أحدهما : ما لا يصير لازما بحال ، كنجوم الكتابة ، فلا يصح الرهن به ، والآخر غيره . وهو نوعان . لازم في حال الرهن ، وغير لازم . فالأول يصح الرهن به ، سواء كان مسبوقا بحالة الجواز ، أم لا ، وسواء كان مستقرا ، كالقرض وأرش الجناية ، وثمن المبيع المقترض ، أو غير مستقر ، كالثمن قبل قبض المبيع ، والأجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق قبل الدخول . 
وأما الثاني : فينظر ، إن كان الأصل في وضعه اللزوم ، كالثمن في مدة الخيار ، صح الرهن به أيضا ، لقربه من اللزوم ، قال الإمام : وهذا مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع ، فأما إذا جعلناه مانعا ، فالظاهر منع الرهن ، لوقوعه قبل ثبوت الدين ، ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم   [ ص: 55 ] يمض مدة الخيار    . أما ما كان أصل وضعه على الجواز ، كالجعل في الجعالة بعد الشروع في العمل ، وقبل تمامه ، فلا يصح الرهن به على الأصح . وإن كان بعد الفراغ من العمل ، صح قطعا ، للزومه . وإن كان قبل الشروع لم يصح قطعا ، لعدم ثبوته ، وعدم تعين المستحق . 
قلت : هذا الذي جزم به الإمام  الرافعي  هو الصواب ، لكن ظاهر كلام كثيرين من الأصحاب ، أو أكثرهم ، إجراء الوجهين قبل الشروع في العمل ، لا سيما عبارة الوسيط وتعليله . والله أعلم . 
أما المسابقة ، فإن جعلناها كالإجارة ، أو كالجعالة ، فلها حكمها . 
فرع 
يصح الرهن بالمنافع المستحقة بالإجارة إن وردت على الذمة  ، ويباع المرهون عند الحاجة ، وتحصل المنفعة من ثمنه ، وإن كانت إجارة عين لم يصح لفوات الشرط الأول . 
فرع 
لا يصح رهن الملاك بالزكاة ، والعاقلة بالدية قبل تمام الحول  ، لفوات الشرط الثاني ، ويجوز بعده . 
فرع 
التوثق بالرهن والضمان شديد التقارب ، فما جاز الرهن به ، جاز ضمانه  ،   [ ص: 56 ] وكذا عكسه إلا أن ضمان العهدة جائز . ولا يجوز الرهن به . هذا هو المذهب وحكي وجه : أنه لا يصح ضمان العهدة    . ووجه عن  القفال     : أنه يصح الرهن بها . 
قلت : كذا قال   الشيخ أبو حامد  في التعليق ،   والغزالي  في الوسيط ما صح ضمانه ، صح الرهن به إلا في مسألة العهدة ويستثنى أيضا ، أن ضمان رد الأعيان المضمونة  ، صحيح على المذهب بها ، باطل على الصحيح ، وممن استثناها   الغزالي  في " البسيط " . والله أعلم . 
				
						
						
