الركن الرابع : ، فيعتبر فيهما التكليف ، لكن الرهن تبرع . فإن صدر من أهل التبرع فيما له ، فذاك ، وإلا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط ، العاقدان ، وارتهانه لهم ، مشروطان بالمصلحة والاحتياط ، فمن صور الرهن للمصلحة ، أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئة ، ويرهن به ما يساوي مائة من ماله ، فيجوز لأنه إن لم يعرض تلف ، ففيه غبطة ظاهرة . وإن تلف المرهون ، كان في المشترى ما يجبره . ولو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على مائة ، ترك هذا الشراء ؛ لأنه ربما تلف المرهون . فإن كان مما لا يتلف في العادة كالعقار ، فالمذهب أنه لا يجوز . وعن فرهن الولي مال الصبي ، والمجنون ، والمحجور عليه لسفه الشيخ أبي محمد ميل إلى جوازه . ومنها إذا وقع نهب أو حريق ، وخاف الولي على ماله ، فله أن يشتري عقارا ، ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يمكن [ ص: 63 ] أداؤه في الحال ، ولم يبع صاحب العقار عقاره إلا بشرط الرهن . ولو اقترض له والحالة هذه ، ورهن به لم يجز ، قاله الصيدلاني ؛ لأنه يخاف التلف على ما يقرضه خوفه على ما يرهنه . ولك أن تقول : إن لم يجد من يستودعه ، ووجد من يرتهنه ، والمرهون أكثر قيمة من القرض ، وجب أن يجوز رهنه . ومنها أن يقترض له لحاجته إلى النفقة ، أو الكسوة ، أو لتوفية ما لزمه ، أو لإصلاح ضياعه أو مرمتها ارتقابا لغلتها ، أو لانتظار حلول دين له مؤجل ، أو نفاق متاعه الكاسد فإن لم يرتقب شيئا من ذلك ، فبيع ما يريد رهنه أولى من الاستقراض . وحكي وجه شاذ : أنه لا يجوز رهن مال الصبي بحال ، وليس بشيء . وأما الارتهان ، فمن صور المصلحة فيه ، أن يتعذر على الولي استيفاء دين الصبي ، فيرتهن به إلى تيسيره . ومنها أن يكون دينه مؤجلا بأن ورثه كذلك . ومنها أن يبيع الولي ماله مؤجلا بغبطة ، فلا يكتفى بيسار المشتري ، بل لا بد من الارتهان بالثمن . وفي النهاية إشارة إلى خلاف ذلك ، أخذا من جواز إبضاع ماله . وإذا ارتهن جاز أن يرتهن بجميع الثمن على الصحيح . وفي وجه : يشترط أن يستوفي ما يساوي المبيع نقدا ، وإنما يرتهن ويؤجل بالنسيئة للفاضل .
قلت : هذا الوجه حكاه بعض العراقيين عن الإصطخري . وقول : إنه مذهب العراقيين ، ليس بجيد ، ولا ذكر لهذا الوجه في معظم كتب العراقيين . وإنما اشتهر الخلاف عندهم ، فيما إذا باع ما يساوي مائة نقدا ، ومائة وعشرين نسيئة بمائة وعشرين نسيئة ، وأخذ بالجميع رهنا ، ففيه عندهم وجهان . الصحيح وظاهر النص ، وقول أكثرهم : إنه صحيح . قال صاحب الحاوي ، وشيخه الغزالي الصيمري ، وصاحب البيان وآخرون من العراقيين : فإذا جوزنا البيع نسيئة ، فشرطه كون المشتري ثقة موسرا ، ويكون الأجل قصيرا : قال واختلفوا في حد الأجل الذي لا تجوز الزيادة عليه ، فقيل : سنة . وقال الجمهور : لا يتقدر بالسنة ، [ ص: 64 ] بل يعتبر عرف الناس . ويشترط كون الرهن وافيا بالثمن ، فإن فقد شرط من هذه ، بطل البيع ، ويلزمه أن يشهد عليه ، فإن ترك الإشهاد ، ففي بطلان البيع وجهان . والله أعلم .
ومنها أن يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب ، ويرتهن به ، قال الصيدلاني : والأولى أن لا يرتهن إذا خيف تلف المرهون ؛ لأنه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن ، وحيث جاز الرهن ، فشرطه أن يرهن عند أمين يجوز إيداعه . وسواء في ذلك كان الولي أبا ، أو جدا ، أو وصيا ، أو حاكما ، أو أمينه . لكن حيث جاز الرهن أو الارتهان ، جاز للأب والجد أن يعاملا به أنفسهما ، ويتوليا الطرفين ، وليس لغيرهما ذلك ، وإذا تولى الأب الطرفين ، فقبضه وإقباضه سنذكرهما قريبا في رهن الوديعة عند المودع إن شاء الله تعالى .