فصل 
يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب  ، ولا يجب عليها قضاء الصلاة    . ولو أرادت العبور في المسجد  ، فإن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد ، أو لغلبة الدم ، حرم العبور عليها ، ولا يختص هذا بها ، بل المستحاضة ، والسلس ، ومن به جراحة نضاخة ، يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث . فإن أمنت الحائض التلويث ، جاز العبور على الصحيح ، كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها . ويحرم عليها الصوم  ، ويجب قضاؤه . وهل يقال : إنه واجب حال الحيض ؟ وجهان . 
قلت : الصحيح الذي عليه المحققون والجماهير : أنه ليس واجبا ، بل يجب القضاء بأمر جديد . والله أعلم . 
وأما الاستمتاع بالحائض  ، فضربان . 
أحدهما : الجماع في الفرج  ، فيحرم ويبقى تحريمه إلى أن ينقطع الحيض ، وتغتسل ، أو تتيمم عند عجزها عن الغسل . فلو لم تجد ماء ولا ترابا ، صلت الفريضة ، وحرم وطؤها على الصحيح . ومتى جامع في الحيض متعمدا عالما بالتحريم  ، فقولان . المشهور الجديد : لا غرم عليه ، بل يستغفر الله ويتوب ، لكن يستحب أن يتصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم ، أو بنصف دينار إن جامع في إدباره . والقديم : يلزمه غرامة . وفيها قولان . المشهور منهما ما قدمنا استحبابه في الجديد . والثاني : عتق رقبة بكل حال . ثم الدينار الواجب ، أو   [ ص: 136 ] المستحب ، مثقال الإسلام من الذهب الخالص ، يصرف إلى الفقراء والمساكين . ويجوز صرفه إلى واحد . وعلى قول الوجوب : يجب على الزوج دون الزوجة . وفي المراد بإقبال الدم وإدباره : وجهان . الصحيح المعروف : أن إقباله : أوله وشدته . وإدباره : ضعفه وقربه من الانقطاع . والثاني : قول   الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني     : إقباله : ما لم ينقطع ، وإدباره : إذا انقطع ولم تغتسل . أما إذا وطئها ناسيا ، أو جاهلا التحريم ، أو الحيض  ، فلا شيء عليه قطعا . وقيل : يجيء وجه على القول القديم : أنه يجب الغرم . 
الضرب الثاني : الاستمتاع بغير الجماع . وهو نوعان . 
أحدهما : الاستمتاع بما بين السرة والركبة  ، والأصح المنصوص : أنه حرام . والثاني : لا يحرم . والثالث : إن أمن على نفسه التعدي إلى الفرج لورع ، أو لقلة شهوة ، لم يحرم ، وإلا حرم . وحكي الثاني قولا قديما . 
النوع الثاني : ما فوق السرة وتحت الركبة  ، وهو جائز ، أصابه دم الحيض ، أم لم يصبه . وفي وجه شاذ : يحرم الاستمتاع بالموضع المتلطخ بالدم . ومن أحكام الحيض : أنه يجب الغسل عند انقطاعه  ، وأنه يمنع صحة الطهارة ما دام الدم مستمرا ، إلا الأغسال المشروعة ، لما لا يفتقر إلى طهارة ، كالإحرام ، والوقوف ، فإنها تستحب للحائض ، وإذا قلنا بالضعيف : إن الحائض تقرأ القرآن  ، فلها أن تغتسل إذا أجنبت لتقرأ . 
ومن أحكام الحيض : أنه يوجب البلوغ ، وتتعلق به العدة والاستبراء ، ويكون الطلاق فيه بدعيا ، وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ وما بعده . 
قلت : ومن أحكامه : منع وجوب طواف الوداع  ، ومنع قطع التتابع في صوم الكفارة ، وقول  الإمام الرافعي     : وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ ، وما بعده ، يقتضي أن لا يكون الطلاق فيه بدعيا ، وليس كذلك ، بل هو بدعي ، لأن المعنى المقتضي بدعيته في الحيض موجود فيه ، وقد صرح  الرافعي  أيضا في كتاب ( الطلاق ) بكونه بدعيا . والله أعلم . 
 [ ص: 137 ] وإذا انقطع الحيض ، ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل ، وكذا الطلاق ، وسقوط قضاء الصلاة ، بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة . 
قلت : ومما يزول بانقطاع الحيض ، تحريم العبور في المسجد  إذا قلنا بتحريمه في زمن الحيض ، ولنا وجه شاذ في ( الحاوي ) و ( النهاية ) أنه لا يزول تحريمه وليس بشيء . والله أعلم . 
				
						
						
