[ ص: 140 ] الباب الثاني في المستحاضات
هن أربع :
الأولى : وهي : التي ترى الدم على نوعين ، أو أنواع ، أحدها أقوى ، فترد إلى التمييز ، فتكون حائضا في أيام القوي ، مستحاضة في أيام الضعيف . وإنما المبتدأة المميزة . أحدها : أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوما ، والثاني : أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا . والثالث : أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما ليمكن جعله طهرا بين حيضتين ، والمراد بخمسة عشر الضعيف ، أن لا تكون متصلة فلو رأت يوما أسود ، ويومين أحمر ، وهكذا أبدا ، فجملة الضعيف في الشهر تزيد على خمسة عشر ، لكن لا يعد هذا تمييزا لعدم اتصاله . هذا الذي ذكرناه من أن الشروط ثلاثة هو الصحيح المعروف في المذهب . ولنا وجهان شاذان باشتراط شرط رابع . أحدهما قاله صاحب ( التتمة ) : أنه يشترط ألا يزيد القوي والضعيف ، على ثلاثين يوما . فإن زاد ، سقط التمييز . والثاني : مذكور في ( النهاية ) : أن الدمين إن كانا تسعين يوما فما دونها ، عملنا بالتمييز ، فإن جاوز تسعين ، ابتدأت حيضة أخرى بعد التسعين . وجعل دورها تسعين أبدا . وفي المعتبر في القوة والضعف وجهان . أصحهما هو قول العراقيين وغيرهم ، أن القوة تحصل بإحدى ثلاث خصال : اللون ، والرائحة ، والثخانة . فالأسود أقوى من الأشقر . والأشقر أقوى من الأصفر ومن الأكدر إذا جعلناهما حيضا . وما له رائحة أقوى مما لا رائحة له . والثخين أقوى من الرقيق . ولو كان دمها بعضه موصوفا بصفة من الثلاث ، وبعضه خاليا عن جميعها ، فالقوي [ ص: 141 ] هو الموصوف بالصفة . ولو كان للبعض صفة ، وللبعض صفتان ، فالقوي ما له صفتان . فإن كان للبعض صفتان ، وللبعض ثلاث ، فالقوي ما له الثلاث . وإن وجد لبعضه صفة ، ولبعضه أخرى ، فالقوي : السابق منهما . كذا ذكره في ( التتمة ) وهو موضع تأمل . والوجه الثاني : أن المعتبر في القوة اللون وحده ، وادعى إمام الحرمين اتفاق الأصحاب على هذا الوجه ، واقتصر عليه أيضا يعمل بالتمييز بثلاثة شروط . والصحيح عند الأصحاب : الوجه الأول . الغزالي
فرع
إذا وجدت ، فتارة يتقدم الدم القوي ، وتارة الضعيف . فإن تقدم القوي ، نظر . فإن استمر بعده ضعيف واحد ، بأن رأت خمسة سوادا ، ثم حمرة مستمرة ، فحيضها السواد . والحمرة طهر وإن طال زمانها ، وفيه الوجهان الشاذان المتقدمان عن ( التتمة ) و ( النهاية ) وإن وجد بعده ضعيفان ، وأمكن جعل أولهما مع القوي حيضا ، بأن رأت خمسة سوادا ، ثم خمسة حمرة ، ثم صفرة مطبقة ، فطريقان . أحدهما : القطع بأن القوي مع الضعيف الأول حيض . والثاني : وجهان ، أحدهما : هذا . والثاني : حيضها القوي وحده ، فإن لم يمكن جعلهما ، بأن رأت خمسة سوادا ، ثم أحد عشر حمرة ، ثم صفرة مطبقة ، فالمذهب : أن حيضها السواد . وقيل : فاقدة التمييز ، فكأنها رأت ستة عشر أسود . أما إذا تقدم بعد القوي أضعف الضعيفين ، فرأت سوادا ، ثم صفرة ، ثم حمرة ، فإنه يبنى على ما إذا توسطت الحمرة . فإن ألحقناها بما بعده ، وقلنا : الحيض هو السواد وحده ، فهنا أولى . وإن ألحقناها بالسواد ، فحكمها كما إذا رأت سوادا ، ثم حمرة ، ثم عاد السواد . وذلك يعلم بما ذكرناه من شروط التمييز . أما إذا تقدم الضعيف أولا ، فإن أمكن الجمع بين القوي وما تقدمه ، بأن رأت خمسة حمرة ، ثم خمسة سوادا ، ثم حمرة مطبقة ، فثلاثة أوجه . الصحيح : أن الحكم للون ، فحيضها السواد ، وأما ما قبله وبعده ، فطهر [ ص: 142 ] والثاني : يجمع بينهما ، فحيضها السواد وما قبله . والثالث : أنها شروط التمييز . وإن لم يمكن الجمع ، بأن رأت خمسة حمرة ، ثم أحد عشر سوادا ، فإن قلنا في حالة الإمكان ، حيضها السواد ، فهنا أولى . وإن قلنا بالآخرين ، ففاقدة للتمييز على الصحيح المعروف . وقيل : حيضها الحمرة المتقدمة مراعاة للأولية . فلو صار السواد ستة عشر ، ففاقدة للتمييز بالاتفاق ، إلا على الشاذ فإنه يقدم الأولية . وإذا فرعنا على الصحيح وهو تقديم اللون ، فرأت المبتدأة خمسة عشر حمرة ، ثم خمسة عشر سوادا ، تركت الصوم والصلاة في جميع الشهر . فإن زاد السواد على خمسة عشر ، فقد فات التمييز ، فيرد إلى يوم وليلة في قول ، وإلى ست أو سبع في القول الآخر ، فتترك الصلاة والصوم أيضا بعد الشهر يوما وليلة ، أو ستا ، أو سبعا . ولا يتصور مستحاضة تؤمر بترك الصلاة أحدا وثلاثين يوما أو ستة أو سبعة وثلاثين ، إلا هذه . فاقدة للتمييز
فرع
وإذا ، لزمها ترك الصوم والصلاة والوطء بمجرد رؤية الدم على الصحيح . وقيل : لا يترك الصوم والصلاة حتى ترى الدم يوما وليلة . فعلى الصحيح لو انقطع لدون يوم وليلة ، بان أنه ليس حيضا ، فتقضي الصلاة . بلغت المرأة سن الحيض ، فرأت دما
واعلم أن لا تشتغل بالصوم والصلاة عند انقلاب الدم من القوة إلى الضعف ، لاحتمال انقطاع الضعيف قبل مجاوزة خمسة عشر ، فيكون الجميع حيضا ، فتتربص إلى انقضاء الخمسة عشر . فإن انقضت والدم مستمر ، عرفنا أنها مستحاضة ، فتقضي صلوات ما زاد على الدم القوي . هذا حكم الشهر الأول . وأما الثاني وما بعده ، فبانقلاب الدم تغتسل وتصلي وتصوم ، ولا يخرج ذلك على [ ص: 143 ] الخلاف في ثبوت العادة بمرة ، فلو اتفق الشفاء في بعض الأدوار ، فانقطع الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر ، فالضعيف حيض مع القوي ، كالشهر الأول . وسواء في كون جميعه حيضا إذا لم يجاوز ، وتقدم الضعيف أو القوي على الصحيح المعروف . وعلى الشاذ إن تقدم القوي ، فالجميع حيض ، وإن تقدم الضعيف ، وبعده قوي وحده ، أو قوي ، ثم ضعيف آخر ، كمن رأت خمسة حمرة ، ثم خمسة سوادا ، ثم خمسة حمرة ، فحيضها في الصورة الأولى : السواد . وفي الثانية : السواد وما بعده . المبتدأة المميزة
فرع
مفهوم كلام الأصحاب وما صرح به إمام الحرمين : أن ، أن تتمحض ضعيفا ، حتى لو بقيت خطوط من السواد ، وظهرت خطوط من الحمرة ، لا ينقطع حكم الحيض ، وإنما ينقطع إذا لم يبق شيء من السواد أصلا . المراد بانقلاب الدم القوي ضعيفا