الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح من الأحكام
وهي ثلاثة .
الأول : أن تتجدد للمضمون له مطالبة الضامن ، ولا تنقطع مطالبته عن المضمون عنه ، بل له مطالبتهما جميعا ، ومطالبة أيهما شاء .
قلت : وله مطالبة أحدهما ببعضه ، والآخر بباقيه . - والله أعلم - .
فلو ضمن بشرط براءة الأصيل ، لم يصح على الأصح ؛ لأنه ينافي مقتضاه . والثاني : يصح الضمان والشرط . والثالث : يصح الضمان فقط . فإن صححناهما ، برئ الأصيل ، ورجع الضامن عليه في الحال إن ضمن بإذنه ؛ لأنه حصل براءته كما لو أدى . ومهما أبرأ مستحق الدين الأصيل ، برئ ( الضامن ) لسقوط الحق ، كما لو أدى الأصيل الدين ، أو أحال مستحقه على إنسان ، أو أحال المستحق غريمه عليه . وكذا يبرأ ببراءته ضامن الضامن . ولو أبرأ الضامن ، ولم يبرأ الأصيل ، لكن يبرأ ضامن الضامن . ولو أبرأ ضامن الضامن ، لم يبرأ الضامن . [ ص: 265 ] فرع
، حل عليه الدين ، ولم يحل على الضامن على الصحيح . وقال ضمن دينا مؤجلا ، فمات الأصيل : يحل ؛ لأنه فرعه ، فعلى الصحيح ، لو أخر المستحق المطالبة ، كان للضامن أن يطالبه بأخذ حقه من تركة الأصيل ، أو إبرائه ؛ لأنه قد تهلك التركة ، فلا يجد مرجعا إذا غرم . وفي وجه ضعيف : ليس له هذه المطالبة . ولو مات الضامن ، حل عليه الدين . فإن أخذ المستحق المال من تركته ، لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه قبل حلول الأجل ، وفي وجه شاذ : لا يحل بموت الضامن . ابن القطان
الحكم الثاني : في مطالبة الضامن المضمون عنه بالأداء ، ومداره على وجهين خرجهما ابن سريج - رحمه الله - ، في أن مجرد الضمان يوجب حقا للضامن على الأصيل ويثبت علقة بينهما ، أم لا ؟ فإذا طالب المضمون له الضامن بالمال ، فله مطالبة الأصيل بتخليصه إن ضمن بإذنه . وفي وجه شاذ : ليس له ، وليس له مطالبته قبل أن يطالب على الأصح . وهل للضامن تغريم الأصيل قبل أن يغرم حيث يثبت له الرجوع ؟ وجهان ، بناء على التخريج المذكور . وليكن الوجهان تفريعا على أن ما يأخذه عوضا عما يقضي به دين الأصيل ، يملكه . وفيه وجهان بناء على التخريج . ولو دفعه الأصيل ابتداء بلا مطالبة ، فإن قلنا : يملكه ، فله التصرف فيه ، كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجلة ، لكن لا يستقر ملكه عليه ، بل عليه رده . ولو هلك عنده ، ضمنه كالمقبوض بشراء فاسد . ولو دفعه إليه وقال : اقض به ما ضمنت عني ، فهو وكيل الأصيل ، والمال أمانة في يده . ولو حبس المضمون له الضامن ، فهل له حبس الأصيل ؟ وجهان بناء على التخريج . إن أثبتنا العلقة بينهما . فنعم وإلا فلا ، وهو الأصح . ، إن أثبتنا العلقة ، صح الإبراء ، وإلا ، فعلى الخلاف في الإبراء عما لم يجب ووجد سبب وجوبه . ولو صالح الضامن الأصيل عن [ ص: 266 ] العشرة التي سيغرمها على خمسة ، إن أثبتناها في الحال ، صح الصلح ، وكأنه أخذ عوض بعض الحق وأبرأ عن الباقي ، وإلا ، فلا يصح . ولو ضمن عن الأصيل ضامن للضامن ، ففي صحته ، الوجهان . وكذا لو رهن الأصيل عند الضامن شيئا بما ضمن . والأصح في الجميع : المنع . ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامنا بما ضمن ، ففي صحة الشرط الوجهان . فإن صححنا فوفى ، وإلا فللضامن فسخ الضمان . وإن أفسدناه ، فسد به الضمان على الأصح . ولو أبرأ الضامن الأصيل عما سيغرم
الحكم الثالث : الرجوع . أما غير الضامن إذا أدى دين غيره بغير إذنه ، فلا رجوع ؛ لأنه متبرع . وإن أدى بإذنه ، رجع إن شرط الرجوع قطعا . وكذا إن أطلق على الأصح . وفي وجه ثالث : إن كان حالهما يقتضي الرجوع ، رجع ، وإلا ، فلا ، كنظيره من الهبة . وأما الضامن ، فله أربعة أحوال .
الأول : يضمن بإذن ويؤدي بإذن ، فيرجع سواء شرط الرجوع أم لا . قال الإمام : ويحتمل أن ينزل منزلة الإذن في الأداء بلا ضمان ، حتى يقال : إن شرط الرجوع رجع ، وإلا فعلى الخلاف . وفي كلام صاحب " التقريب " رمز إليه .
الحال الثاني : أن يضمن ويؤدي بلا إذن ، فلا رجوع .
الثالث : يضمن بغير إذن ، ويؤدي بالإذن ، فلا رجوع على الأصح . فلو أذن في الأداء بشرط الرجوع ، ففيه احتمالان للإمام ، أحدهما : يرجع كما لو أذن في الأداء بهذا الشرط من غير ضمان . والثاني : لا ؛ لأن الأداء مستحق بالضمان ، والمستحق بلا عوض لا يجوز مقابلته بعوض كسائر الحقوق الواجبة .
قلت : الاحتمال الأول أصح . - والله أعلم - .
الرابع : يضمن بالإذن ، ويؤدي بلا إذن ، فأوجه . الأصح المنصوص : يرجع . والثاني : لا . والثالث : إن أدى من غير مطالبة أو بمطالبة ، ولكن أمكنه استئذان الأصيل ، لم يرجع ، وإلا فيرجع .
[ ص: 267 ] فرع
حوالة الضامن المضمون له على إنسان ، وقبوله حوالة المضمون له عليه ، ومصالحتهما عن الدين على عوض ، وصيرورة الدين ميراثا للضامن ، كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه .