الصورة السادسة : في ، وفيها مسائل . إحداها : الوكيل بالخصومة من جهة المدعي ، يدعي ويقيم البينة ويسعى في تعديلها ، ويحلف ويطلب الحكم والقضاء ، ويفعل ما هو وسيلة إلى الإثبات . والوكيل من جهة المدعى عليه ، ينكر ويطعن في الشهود ، ويسعى في الدفع بما أمكنه . الوكالة في الخصومة
الثانية : هل يشترط في التوكيل في الخصومة بيان ما فيه الخصومة ، من دم ، أو مال ، أو عين ، أو دين ، أو أرش جناية ، أو بدل مال ؟ حكى العبادي فيه وجهين كالوجهين في بيان من يخاصمه .
الثالثة : لو أقر وكيل المدعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو المصالحة على مال ، أو بأن الحق مؤجل ، أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي ، لم يقبل ، سواء أقر في مجلس الحكم ، أم في غيره ، كما لا يصح إبراؤه ومصالحته ؛ لأن اسم الخصومة لا يتناولهما ، فكذا الإقرار . ثم وكيل المدعي ، إذا أقر بالقبض ، أو الإبراء ، انعزل ، وكذا وكيل المدعى عليه ، إذا أقر بالحق ، انعزل ؛ لأنه بعد [ ص: 321 ] الإقرار ظالم في الخصومة . وأطلق وجهين في بطلان وكالته بالإقرار . ابن كج
قلت : ولو أبرأ وكيل المدعي خصمه ، لم ينعزل ؛ لأن إبراءه باطل ، ولا يتضمن اعترافا بأن المدعي ظالم ، بخلاف الإقرار ، وكذا فرق صاحب " الحاوي " وغيره . والله أعلم .
فرع
نقل في " النهاية " أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه ، لا يقبل تعديله بينة المدعي ؛ لأنه كالإقرار في كونه قاطعا للخصومة ، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار .
الرابعة : تقبل ، وتقبل لموكله في غير ما توكل فيه . وإن شهد بما توكل فيه ، نظر ، إن شهد قبل العزل أو بعده وقد خاصم فيه ، لم يقبل للتهمة . وإن كان بعده ولم يخاصم ، قبلت على الأصح . هذه هي الطريقة الصحيحة المشهورة . وقال الإمام : قياس المراوزة أن يعكس ، فيقال : إن لم يخاصم ، قبلت ، وإلا فوجهان . شهادة الوكيل على موكله
قال : وهذا التفصيل ، إذا جرى الأمر على تواصل . فإن طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه .
الخامسة : لو وكل رجلين بالخصومة ، ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما ، فوجهان .
الأصح : لا يستقل واحد منهما ، بل يتشاوران ويتباصران . كما لو وكلهما في بيع أو طلاق أو غيرهما ، أو وصى إليهما . ولو وكل رجلين في حفظ متاع ، فالأصح : أنه لا ينفرد واحد منهما بحفظه ، بل يحفظانه في حرز بينهما . والثاني : ينفرد . فإن قبل القسمة ، قسم ليحفظ كل واحد بعضه .
[ ص: 322 ] السادسة : ادعى عند القاضي أنه وكيل زيد ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضرا ، وصدقه ، ثبتت الوكالة ، وله مخاصمته ، وإن كذبه ، أقام البينة على الوكالة . ولا يشترط في إقامة البينة تقدم دعوى حق الموكل على الخصم . وإن كان غائبا ، وأقام الوكيل بينة بالوكالة ، سمعها القاضي وأثبتها . ولا يعتبر حضور الخصم في إثبات الوكالة ، خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه حيث قال : لا تسمع البينة إلا في وجه الخصم .
قال الإمام : وهو بناء على مذهبه ، في امتناع . ثم حكى الإمام عن القضاء على الغائب القاضي حسين : أنه لا بد وأن ينصب القاضي مسخرا ينوب عن الغائب ، ليقيم المدعي البينة في وجهه .
قال الإمام : وهذا بعيد لا أعرف له أصلا ، مع ما فيه من مخالفة الأصحاب . وحكى عنه أيضا أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القضاء وكيلا بالخصومة ، اختص التوكيل بالمخاصمة في ذلك المجلس .
قال الإمام : والذي نعرفه للأصحاب أنه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقضاة العرف الذي ادعاه .
السابعة : ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضرا في المجلس ، اعتمادا على العيان . فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه اعتمادا على اسم ونسب يذكره ، فلا بد من إقامة بينة على أن فلان بن فلان وكله ، أو على أن الذي وكله هو فلان بن فلان ، ذكره أصحابنا العراقيون ، والشيخ وكل رجلا عند القاضي بالخصومة عنه ، وطلب حقوقه . وعبارة أبو عاصم العبادي العبادي : إنه لا بد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضي ويثق بهما . ثم إن الإمام حكى عن القاضي حسين - رحمهما الله - أن عادة الحكام التساهل في هذه البينة ، والاكتفاء بالعدالة الظاهرة ترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرباء . وقال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف [ ص: 323 ] في شرح مختصر العبادي : يمكن أن يكتفى بمعرف واحد إذا كان موثوقا به ، كما قال الشيخ أبو محمد : إن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها ، يحصل بمعرف واحد ؛ لأنه إخبار لا شهادة .
قلت : وإذا ادعى على وكيل مالا ، وأقام بينة وقضى بها الحاكم ، ثم حضر الغائب وأنكر الوكالة ، أو ادعى عزله ، لم يكن له أثر ؛ لأن جائز . قال في " التتمة " : وإذا اعترف الخصم عند القاضي بأنه وكيل ، جاز له المحاكمة قطعا . وفي وجوبها عليه الخلاف فيما إذا اعترف بأنه وكيل في قبض الدين ، هل يلزمه دفعه إليه ، أم لا يجب حتى يقيم بينة ؟ والله أعلم . الحكم على الغائب