الطرف الرابع : في الاختلاف ، وفيه مسائل   . 
الأولى : ادعى الغاصب تلف المغصوب ، وأنكر المالك    . فالصحيح أن القول قول الغاصب مع يمينه ، وقيل : قول المالك بيمينه ، فعلى الصحيح إذا حلف الغاصب ، هل للمالك تغريمه المثل أو القيمة ؟ وجهان . أصحهما : نعم . 
الثانية : اتفقا على الهلاك واختلفا في قيمته  ، صدق الغاصب لأن الأصل براءته ، وعلى المالك البينة ، وينبغي أن يشهد الشهود أن قيمته كذا ، أما إذا أراد إقامة البينة على صفات العبد ليقومه المقومون بتلك الصفات ففي قول : يقبل ويقوم بالأوصاف ، وينزل على أقل الدرجات كالسلم ، والمشهور : المنع ، للتفاوت . قال الإمام : لكن يستفيد المالك بالبينة على الأوصاف إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات ، ويصير كما لو أقر الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ، ثم قومه بحقير لا يليق بها ، لا يلتفت إليه ، بل يؤمر بالزيادة إلى أن يبلغ حدا يجوز أن يكون قيمة لمثل ذلك الموصوف . ولو قال المالك : قيمته ألف ، وقال الغاصب : بل خمسمائة ، وجاء المالك ببينة أنها أكثر من خمسمائة من غير تقدير ، فقيل : لا تسمع هكذا ، والأكثرون سمعوها ، قالوا : وفائدة السماع أن يكلف الغاصب زيادة على خمسمائة إلى حد لا تقطع البينة بزيادة عليه ، ولو قال المالك : لا أدري كم قيمته ، لم تسمع دعواه حتى يبين . وكذا لو قال الغاصب : أعلم أنه دون ما ذكره ، ولا أعرف قدره ، لم تسمع حتى يبين ، فإذا بين حلف عليه . الثالثة : قال المالك : كان العبد كاتبا أو محترفا ، فأنكر الغاصب ، فالصحيح أن القول قول الغاصب ، وقيل : قول المالك ، لأنه أعرف بملكه . ولو ادعى الغاصب به عيبا وأنكر المالك ، نظر ، إن ادعى عيبا حادثا فقال : كان أقطع أو سارقا ، ففي المصدق قولان ، أظهرهما : المالك . وإن ادعى عيبا خلقيا ، فقال : كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد ، فالمصدق الغاصب على الصحيح ، لأن   [ ص: 29 ] الأصل العدم ، ويمكن المالك البينة . والثاني : يصدق المالك نظرا إلى غلبة السلامة . 
والثالث : يفرق بين ما يندر من العيوب وغيره . 
الرابعة : رد المغصوب وبه عيب  ، وقال : غصبته هكذا ، وقال المالك : حدث العيب عندك ، صدق الغاصب ، قاله  المتولي     . 
قلت : وقاله  ابن الصباغ  أيضا ، ونقله في البيان . والله أعلم . 
الخامسة : تنازعا في الثياب التي على العبد  ، صدق الغاصب ، لثبوت يده . 
السادسة : قال : غصبت داري بالكوفة  ، فقال : غصبتها بالمدينة   ، فالقول قول المدعى عليه أنه لم يغصب بالكوفة    . وأما دار المدينة  ، فإن وافقه المدعي عليها ثبتت ، وإلا فيبطل إقراره بها ، لتكذيبه . 
قلت : ومثله لو قال : غصبت مني عبدا فقال : بل جارية ، ونحو ذلك . والله أعلم . 
السابعة : غصب خمرا محترمة فهلكت عنده ، فقال المغصوب منه : هلكت بعد التخلل ، فقال الغاصب : قبله ، صدق الغاصب . 
الثامنة : قال : طعامي الذي غصبته كان جديدا ، فقال الغاصب : بل عتيقا  ، صدق الغاصب بيمينه . فإن نكل حلف المالك ، ثم له أخذ العتيق لأنه دون حقه . 
التاسعة : باع عبدا فجاء زيد وادعى أنه ملكه وأن البائع كان غصبه منه  ، فلا شك أن له دعوى عين العبد على المشتري . وفي دعواه القيمة على البائع ما ذكرناه في الإقرار . فإن ادعى العين على المشتري فصدقه أخذ العبد منه ، ولا رجوع له بالثمن على البائع . وإن كذبه المشتري ، فأقام زيد بينة ، أخذه ورجع المشتري بالثمن على البائع . وإن لم يقم بينة ونكل المشتري ، حلف زيد وأخذه ، ولا رجوع للمشتري بالثمن ، لتقصيره بالنكول . وإن صدقه البائع دون المشتري ، لم يقبل   [ ص: 30 ] إقرار البائع على المشتري ويبقى البيع بحاله ، إلا أن يكون إقراره بالغصب في زمن الخيار ، فيجعل ذلك فسخا للبيع . ثم لو عاد العبد إلى البائع بإرث أو رد بعيب ، لزمه تسليمه إلى زيد . وإن صدقه البائع والمشتري جميعا ، سلم العبد إلى زيد ، وعلى البائع رد الثمن أو بدله إن كان تالفا . ولو جاء المدعي بعدما أعتق المشتري العبد وصدقه البائع والمشتري  ، لم يبطل العتق ، سواء وافقهما العبد أو خالفهما ، لأن في عتقه حقا لله تعالى ، بخلاف ما لو كاتبه المشتري ، ثم توافقوا على تصديق المدعي ، لأن الكتابة قابلة للفسخ . وللمدعي في مسألة الإعتاق قيمة العبد على البائع إن اختص بتصديقه ، وإذا أوجبنا الغرم للحيلولة فيما إذا أقر به لزيد ثم لعمرو ، وعلى المشتري إن اختص بتصديقه ، وعلى من شاء منهما إن صدقاه جميعا . وقرار الضمان على المشتري ، إلا أن تكون القيمة في يد البائع أكثر ، فلا يطالب المشتري بالزيادة . 
ولو مات المعتق وقد كسب مالا ، فهو للمدعي ، لأن المال خالص حق آدمي ، وقد توافقوا أنه مستحقه ، بخلاف العتق ، كذا أطلقوه . قال الإمام : وهو محمول على كسب يستقل به العبد ، فأما كسب يحتاج إلى إذن السيد ، فلا يستحقه المدعي ، لاعترافه بخلوه عن الإذن . 
قلت : ولو ادعى الغاصب رد المغصوب حيا وأقام به بينة ، فقال المالك : بل مات عندك وأقام به بينة  ، تعارضت البينتان وسقطتا ، وضمن الغاصب ، لأن الأصل بقاء الغصب . ولو قال : غصبنا من زيد ألفا ، ثم قال : كنا عشرة أنفس ، وخالفه زيد ، قال في البيان : قال بعض أصحابنا : القول قول الغاصب بيمينه ، لأن الأصل براءته مما زاد . والله أعلم .   [ ص: 31 ] 
				
						
						
