الطرف الثالث : في ، وهو ثلاثة أضرب : تزاحم الشفعاء
أحدها : أن يتفق الشركاء على الطلب . ونقدم عليه أن تعدد المستحقين قد يكون ابتداء ، بأن كانت الدار ] بين
[ جماعة ، فباع أحدهم نصيبه ، وثبتت الشفعة للباقين ، وقد يكون دواما ، بأن يموت المستحق ويترك ورثة ، فلهم الشفعة . فإن تساوت حصص المستحقين ، تساووا في الشقص . وإن تفاوتت كنصف وثلث وسدس ، فباع صاحب النصف ، فقولان ، أظهرهما : ] أن [ الشفعة على قدر الحصص ، فيقسم النصف بينهما أثلاثا . والثاني : على عدد الرءوس ، فيقسم نصفين .
فرع
، أم يختص بها الأخ ؟ قولان . أظهرهما : الأول . فعلى هذا ، هل يوزع بينهما بالسوية ، أم بالحصص ؟ فيه القولان . وقال الإمام : مقتضى المذهب : القطع بالحصص . وإذا قلنا : يختص الأخ فعفا ، ففي ثبوتها للعم وجهان . أحدهما : لا ، لأنه لو كان مستحقا لما تقدم عليه غيره . والثاني : نعم ، لأنه شريك ، وإنما تقدم الأخ ، لزيادة قربه ، كما أن المرتهن يقدم في المرهون على الغرماء . فلو سقط حقه ، تمسك به الباقون . مات مالك الدار عن ابنين ] ثم مات أحدهما عن ابنين [ ثم باع أحد الابنين نصيبه ، فهل يشترك الأخ والعم في الشفعة
قلت : ينبغي أن يكون هذا الثاني أصح . والله أعلم .
ويجري القولان في مسألة الأخ والعم في كل صورة . ملك شريكان بسبب واحد ، [ ص: 101 ] وغيرهما من الشركاء بسبب آخر ، فباع أحد المالكين بالسبب الواحد ، ففي قول : الشفعة لصاحبه خاصة ، وعلى الأظهر : للجميع . مثاله : بينهما دار ، فباع أحدهما نصيبه لرجلين ، أو وهبه ، ثم باع أحدهما نصيبه .
ولو ، فطريقان : مات من له دار عن بنتين وأختين ، فباعت إحدى البنتين نصيبها
أحدهما : على القولين . ففي قول : تختص بالشفعة البنت الأخرى ، وعلى الأظهر : يشتركن كلهن .
والطريق الثاني وهو المذهب : القطع بالاشتراك .
فرع
ورثا حق الشفعة ، ففي كيفية إرثهما طرق . أصحها : يأخذان على قدر الميراث قطعا . والثاني : القطع بالتسوية بينهما . والثالث : على القولين . مات الشفيع عن ابن وزوجة
فرع
، فالشفعة في النصف الأول تختص بالشريك الأول . ثم قد يعفو عنه ، وقد يأخذه . وفي النصف الثاني أوجه . أحدها : يختص به الأول . والثاني : يشترك فيه الأول والمشتري الأول . وأصحهما : إن عفا الشريك الأول عن النصف الأول ، اشتركا ، وإلا فيختص به الشريك الأول . دار بين اثنين نصفين ، باع أحدهما نصف نصيبه لزيد ، ثم باع النصف الآخر لعمرو
الضرب الثاني : أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم . ونقدم عليه ما إذا ، وفيه أوجه . أصحها : يسقط جميعها كالقصاص . والثاني : لا يسقط شيء كعفوه عن بعض حد القذف . والثالث : يسقط ما عفا عنه [ ص: 102 ] ويبقى الباقي ، قال كانت الشفعة لواحد فعفا عن بعضها الصيدلاني : وموضع هذا الوجه ، ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة ، فإن أبى وقال : خذ الكل أو دعه ، فله ذلك . قال الإمام : وهذه الأوجه ، إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور . فإن حكمنا به ، فطريقان . منهم من قطع بأن العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي ، ومنهم من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي ، وطرد الأوجه .
ويؤيد الأول أن صاحب " الشامل " قال : استحق شقصا ، فجاء وقال : آخذ نصفه ، سقطت شفعته في الكل ، لأنه ترك طلب النصف . إذا تقرر هذا ، فاستحق اثنان شفعة ، فعفا أحدهما عن حقه ، فأوجه . أصحها : يسقط حق العافي ، ويثبت الجميع للآخر . فإن شاء أخذ الجميع ، وإن شاء تركه ، وليس له الاقتصار على قدر حصته ، لئلا تتبعض الصفقة على المشتري . والثاني : يسقط حقهما جميعا ، قاله ابن سريج ، كالقصاص . والثالث : لا يسقط حق واحد منهما ، تغليبا للثبوت كما سبق في الصورة الأولى . والرابع : يسقط حق العافي ، وليس لصاحبه أن يأخذ إلا قسطه ، وليس للمشتري أن يلزمه أخذ الجميع . هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء .
فلو ، فهل هو كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها ، أم كثبوتها لابنين عفا أحدهما ؟ وجهان . أصحهما : الثاني . ولو كان للشقص شفيعان ، فمات كل عن ابنين ، فعفا أحدهما عن حقه ، فحاصل المنقول تفريعا على ما تقدم أوجه . ثبتت لواحد فمات عن ابنين ، فعفا أحدهما
أحدها : يسقط الكل . والثاني : يبقى الكل للأربعة . والثالث : يسقط حق العافي وأخيه ، ويأخذ الآخران . والرابع : ينتقل حق العافي إلى الثلاثة ، فيأخذون الشقص أثلاثا . والخامس : يستقر حق العافي للمشتري ، ويأخذ ثلاثة أرباع الشقص . والسادس : ينتقل حق العافي إلى أخيه فقط .
قلت : أصحها : الرابع . والله أعلم .
[ ص: 103 ] فرع
، فالقول قولهما مع يمينهما على البت . فلو ادعى عفو أبيهما ، حلفا على نفي العلم . فإن حلفا أخذا . وإن نكلا حلف المشتري ، وبطل حقهما . وإن حلف أحدهما فقط ، فإن قلنا بالأصح : إنه إذا عفا أحدهما أخذ الآخر الجميع ، فلا يحلف المشتري ، إذ لا فائدة فيه ، وبه قال مات الشفيع عن ابنين ، فادعى المشتري عفوهما ابن الحداد . وإن قلنا : حق العافي يستقر للمشتري ، حلف المشتري ليستقر له نصيب الناكل . ثم الوارث الحالف لا يستحق الجميع بنكول أخيه ، ولكن إن صدق أخاه على أنه لم يعف ، فالشفعة بينهما . وإن ادعى عليه العفو ، وأنكر الناكل ، عرضت عليه اليمين لدعوى أخيه ، ولا يمنعه من الحلف نكوله في جواب المشتري . فإن حلف ، فالشفعة بينهما . وإن نكل أيضا ، حلف المدعي أنه عفا ، وحينئذ يأخذ الجميع .
الضرب الثالث : أن يحضر بعض الشركاء دون بعض . فإذا كانت ، فليس له أخذ حصته فقط ، ولا يكلف الصبر إلى حضورهما ، بل إن شاء أخذ الجميع أو تركه . وهل له تأخير الأخذ إلى حضورهما ؟ إذا قلنا : الشفعة على الفور ، وجهان . أصحهما : نعم ، للعذر ، وإذا أخذ الجميع ، ثم حضر أحد الغائبين ، أخذ منه النصف بنصف الثمن ، كما لو لم يكن إلا شفيعان . فإذا حضر الثالث ، فله أن يأخذ من كل واحد ثلث ما في يده ، ثم يترتب على ما ذكرنا فروع : الدار لأربعة بالسوية ، فباع أحدهم نصيبه ، وثبتت الشفعة للباقين ، فلم يحضر إلا واحد
أحدها : خرج الشقص مستحقا بعد الترتيب المذكور ، ففي العهدة وجهان :
أحدهما : عهدة الثلاثة على المشتري لاستحقاقهم الشفعة عليه . والثاني : أن رجوع الأول على المشتري ، فيسترد منه كل الثمن ، ورجوع الثاني على الأول فيسترد [ ص: 104 ] منه النصف ، ورجوع الثالث على الأول والثاني يسترد من كل ما دفع إليه ، وهذا أصح ، ورجح العراقيون الأول . وقال المتولي : هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة ونقص قيمة الشقص . فأما الثمن فكل ، فيسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف .
الثاني : أخذ الحاضر جميع الشقص ، فوجده معيبا فرده ، فحضر الثاني وهو في يد المشتري ، فله أخذ الجميع .
الثالث : ما يستوفيه الأول من المنافع ، ويحصل له من الأجرة والثمرة ، يسلم له ، فلا يزاحمه فيه الثاني والثالث على الأصح ، وكذا الثالث لا يزاحم الثاني فيما يحصل له بعد المناصفة ، كما أن الشفيع لا يزاحم المشتري فيها .
الرابع : أخذ الأول كل الشقص وأفرزه ، بأن أتى الحاكم فنصب قيما في مال الغائبين ، فاقتسما ، وبنى فيه ، أو غرس ثم رجع الغائبان ، هل لهما القلع ؟ وجهان . أصحهما : لا ، كما أن الشفيع لا يقلع بناء المشتري وغراسه مجانا . والثاني : نعم ، لأنهما يستحقان كاستحقاق الأول ، فليس له التصرف حتى يظهر حالهما ، بخلاف الشفيع مع المشتري .
الخامس : إذا حضر اثنان فأخذا الشقص ، واقتسما مع القيم في مال الغائب ، ثم قدم [ الغائب ] ، فله الأخذ وإبطال القسمة ، فإن عفا استمرت القسمة . السادس : أخذ اثنان ، فحضر الثالث ، وأراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما ولا يأخذ من الثاني ] شيئا [ فله ذلك ، كما للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الآخر .
السابع : أخذ الأول الجميع ، فحضر الثاني وأراد أخذ الثلث فقط ، فله ذلك على الأصح ، لأنه لا يفرق الحق على الأول . فإن أخذ الثلث على هذا الوجه ، أو بالتراضي ، ثم حضر الثالث ، نظر ، إن أخذ من الأول نصف ما في يده ، ولم يتعرض [ ص: 105 ] للثاني ، فلا كلام ، وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، فله ذلك ، لأن حقه ثابت في كل جزء ، ثم له أن يقول للأول : ضم ما معك إلى [ ما ] أخذته لنقسمه نصفين لأنا متساويان . وإنما تصح قسمة الشقص في هذه الحالة من ثمانية عشر ، لأنا نحتاج إلى عدد لثلثه ثلث وهو تسعة ، مع الثاني منها ثلاثة ، ومع الأول ستة ، فينتزع الثالث من الثاني واحدا يضمه إلى الستة [ التي ] مع الأول ، فلا ينقسم بينهما ، فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر ، للثاني منها اثنان في اثنين بأربعة ، تبقى أربعة عشر للأول والثالث نصفين ، وهذا المنقسم من ثمانية عشر ، ربع الدار ، فتقسم جملتها من اثنين وسبعين . هذا ما ذكره الأكثرون ونقلوه عن ابن سريج . وقال القاضي حسين : لما ترك الثاني سدسا للأول ، صار عافيا عن بعض حقه ، فيبطل جميع حقه على الأصح كما سبق ، فينبغي أن يسقط حق الثاني كله ، ويكون الشقص بين الأول والثالث .
قلت : الأصح قول الأكثرين ، ولا يسلم أنه أسقط بعض حقه . والله أعلم .
الثامن : قال ابن الصباغ : لو حضر اثنان وأخذا الشقص ، ثم حضر الثالث وأحدهما غائب ، فإن قضى له القاضي على الغائب ، أخذ من كل ثلث ما في يده ، وإلا فهل يأخذ ثلث ما في يد الحاضر ، أم نصفه ؟ وجهان . ثم إن حضر الغائب وغاب الحاضر ، فإن كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما معه ، أخذ من القادم ثلث ما في يده أيضا . وإن كان أخذ نصفه ، أخذ من القادم سدس ما في يده ويتم بذلك نصيبه ، وينقسم هذا الشقص من اثني عشر ، وجملة الدار من ثمانية وأربعين .
التاسع : ، فله أخذ الشقص كله بالشفعة تفريعا على الأصح : أنه إذا عفا أحد الشريكين ، أخذ الآخر الجميع . وإن قلنا : عفو أحدهما يسقط حق الآخر ، [ ص: 106 ] لم يأخذ شيئا . وإن قلنا : يستقر نصيب العافي للمشتري ، لم يأخذ الحاضر بحق الإرث إلا النصف . ثبتت الشفعة لحاضر وغائب ، فعفا الحاضر ، ثم مات الغائب ، فورثه الحاضر