الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويلزمه حفظها في حرز مثلها ، وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن ، وإن أحرزها بمثله أو فوقه لم يضمن ، وقيل : يضمن إلا أن يفعله لحاجة ، فإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب منه التوى لم يضمن ، وإن تركها فتلفت ضمن وإن أخرجها لغير خوف ضمن ، فإن قال : لا تخرجها ولو خفت عليها ، فأخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويلزمه حفظها في حرز مثلها ) عرفا كسرقة ، وكما يحفظ ماله ، ولأنه تعالى أمر بأدائها ، ولا يمكن ذلك إلا بالحفظ ، وفي " الرعاية " : من استودع شيئا حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة ، وإلا ضمن ، وظاهره أنه إذا لم يحفظها في حرز مثلها أنه يضمن ; لأنه مفرط ، وإن وضعها في حرز ، ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها ; لأن صاحبها رد حفظها إلى اجتهاده ، فلو كانت العين في بيت مالكها ، فقال الآخر : احفظها في موضعها ، فنقلها عنه لغير خوف ضمن ; لأنه ليس بمودع ، وإنما هو وكيل في حفظها في موضعها .

                                                                                                                          ( وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن ) سواء ردها إليه أو لا ; لأنه خالفه في حفظ ماله ، ومقتضاه أنه إذا حفظها فيما عينه ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف ; لأنه ممتثل غير مفرط ( وإن أحرزها بمثله أو فوقه ) [ ص: 235 ] بلا حاجة كلبس خاتم في خنصر ، فلبسه في بنصر لا عكسه ( لم يضمن ) على المذهب ; لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله ، كمن اكترى لزرع حنطة ، فله زرعها وزرع مثلها في الضرر ، فما فوقه من باب أولى ( وقيل : يضمن ) وهو ظاهر الخرقي ، وحكاه في " التبصرة " رواية ، قال في رواية حرب : إذا خالف في الوديعة فهو ضامن ; لأنه خالف أمر صاحبها من غير حاجة ، أشبه ما لو نهاه ( إلا أن يفعله لحاجة ) كما لو خاف عليها من سيل أو حريق ; لأنه لا يعد مفرطا ، والأولى إن نقلها إلى الأعلى لم يضمن ; لأنه زاده خيرا ، لا إن نقلها إلى المساوي لعدم الفائدة ، قال في " التلخيص " : أصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل وبين تلفها بغيره ، قال : وعندي أنه إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن ( فإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب منه التوى ) أي : الهلاك ( لم يضمن ) لأن حفظها نقلها ، وتركها تضييع لها ، وهذا إذا وضعها في حرز مثلها أو فوقه ، فإن تعذر وأحرزها في دونه فلا ضمان ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، والحارثي ، ومقتضاه أنه يلزمه إخراجها عند الخوف ; لأن النهي للاحتياط عليها ، وهو إذن نقلها ( وإن تركها فتلفت ضمن ) سواء تلفت بالأمر المخوف أو بغيره ; لأنه مفرط ، وقيل : لا يضمن لامتثاله أمر صاحبها ( وإن أخرجها لغير خوف ضمن ) لأنه خالف نص صاحبها لغير فائدة ، ولو أخرجها إلى مثله أو فوقه ، صرح به في " الشرح " وغيره ، وقيل : لا يضمن كما لو تعين له حرزا ( فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها ، فأخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن ) لأنه إذا أخرجها فقد زاده خيرا بحفظها إذ المقصود المبالغة في حفظها ، وإن تركها فلا شيء عليه [ ص: 236 ] لأن صاحبها صرح له بتركها مع الخوف ، فكأنه رضي بإتلافها ، وقيل : إن وافقه أو خالفه ضمن كإخراجها لغير خوف ، وهذا جار فيما إذا قال : لا تقفل عليها قفلين ، أو لا تنم فوقه ، صرح به في " الرعاية " .

                                                                                                                          فرع : إذا أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها فتلفت ، فادعى أنه أخرجها لغشيان شيء الغالب منه الهلاك ، وأنكر صاحبها وجوده ، فعلى المستودع البينة إن كان مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لظهوره ، ويقبل قوله في التلف مع يمينه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية