الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وأسألك التسديد في تأليف كتاب في الأصول . حجمه يقصر وعلمه يطول . متضمن ما في الروضة القدامية ، الصادرة عن الصناعة المقدسية . غير خال من فوائد زوائد ، وشوارد فرائد ، في المتن والدليل ، والخلاف والتعليل .
قوله : " وأسألك التسديد " هذا عطف على قوله : " أحمدك " ، أي أحمدك وأسألك التسديد ، وهو nindex.php?page=treesubj&link=32050التوفيق للسداد ، وهو الصواب ، ومنه تسديد السهم إلى الغرض ، أي : تصويبه ، وأصله من السداد والسدد وهو الاستقامة . والسهم والرمح المسدد : المقوم ، ورأي سديد : صائب مستقيم .
قوله : " في تأليف كتاب في الأصول " التأليف : تفعيل من ألف الشيء الشيء ، والطائر الوكر ، إذا انضم إليه دائما أو غالبا ، وتأليف الكتاب : ضم بعضه إلى بعض حروفا وكلمات وأحكاما ، ونحو ذلك من الأجزاء ، والكتاب : فعال من الكتب ، وهو الجمع ، يقال : كتبت القربة : إذا خرزتها ، والكتبة - بضم الكاف وسكون التاء : الخرزة ، وكتبت البغلة : جمعت بين شفريها بحلقة ، وكتبت الناقة : صررتها ، وتكتبت الخيل : تجمعت ، والكتيبة : جماعة الخيل .
والأصول : جمع أصل ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
قوله : " حجمه " أي حجم الكتاب المؤلف " يقصر " ، أي : يقل ويسهل ، وإنما استعمل فيه لفظ القصر مقابلة لقوله : " وعلمه يطول " فإن الطباق يحسن الكلام ، وهو من أنواع البديع ، وحجم الشيء : نتوه ، يقال : لمرفقه حجم ، أي : نتو ، والمراد به من الكتاب ثخانته ، وهو بعد ما بين طرفي سواريه ، والمعنى : أن هذا الكتاب [ ص: 93 ] كثير المعنى ، قليل اللفظ ، وهو الإيجاز المستحسن ، إذ خير الكلام ما قل ودل ، وهذا هو معنى الاختصار المذكور في قوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022015أوتيت جوامع الكلم ، واختصر لي الكلام اختصارا أي أوتيت المعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ اليسيرة القليلة ، وأصل الاختصار : هو من خصر الإنسان : وهو ما استدق فوق متنه ، أو من اختصار الطريق ، وهو سلوك أقربه ، وخصور الرمل : ما استدق منه واطمأن ، فسلوكه أقرب .
قوله : " متضمن " هو مجرور صفة لكتاب ، أي في تأليف كتاب متضمن ، أي : في ضمنه ، أي باطنه ، " ما في الروضة القدامية ، الصادرة عن الصناعة المقدسية " يعني كتاب " الروضة " ، تأليف nindex.php?page=treesubj&link=33935الشيخ الإمام العلامة nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، فالقدامية نسبة إلى جده ، وبه يعرف نسبا ، لأنه أشهر آبائه وأعرفها لفظا ، فهو إذا نسب إلى الأب قيل : nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة ، وإذا نسب إلى البلد قيل : المقدسي ، فوقعت النسبة هاهنا إليهما .
والصادرة : الناشئة ، ومصدر الشيء مبدؤه ومنشؤه .
والصناعة : ملكة نفسانية يصدر عنها آثار علاجية لإفادة كمال في محل ، [ ص: 94 ] واستعمال الصناعة في العلوم مجاز عرفي ، وهو في الحقيقة باعتبار المبادرة الذهنية والاستعمال العام لما تضمن علاجا بدنيا كالنجارة والخياطة .
قوله : " غير خال من فوائد زوائد " غير منصوب على الحال من كتاب في قوله : تأليف كتاب ، وهو وإن كان نكرة إلا أنه وصف بصفات خصصته حتى قارب المعرفة جدا ، والعامل في الحال تأليف ، لأنه مصدر دل على فعله ، وأبين من هذا التقدير وأسلم أن تكون " غير " صفة لكتاب على المعنى ، لأن التأليف مصدر مقدر بأن والفعل .
وكتاب حقه النصب على هذا التقدير : فيكون تقديره : أسألك التسديد في أن أؤلف كتابا غير خال ، ويجوز أن يكون " غير " مجرورة نعتا لكتاب على اللفظ ، والنصب المختار نعتا على المحل .
وزوائد : جمع زائدة ، أي : فائدة زائدة عما في " الروضة " الذي هو أصل المختصر . [ ص: 95 ]
قوله : " وشوارد فرائد " هو جمع شاردة ، أي : فائدة أو نكتة شاردة يعني خارجة عن الروضة ليست فيها ، أو عن فهم كثير من مؤلفي الكتب ، والناس لم ينتبهوا لها ، يقال : شرد البعير والناقة : إذا نفرا ، والشريد الطريد ، وهو مستلزم للخروج ، وهذا مستعار من ذلك .
والفرائد : جمع فريدة ، أي : منفردة بالحسن في بابها .
قوله : " في المتن والدليل ، والخلاف والتعليل " هذا متعلق بقوله : زوائد ، أي هذه الزوائد هي تارة في المتن أعني المسائل المستدل عليها ، وتارة في الدليل على الأحكام ، وتارة في نقل الخلاف في الأحكام ، وتارة في تعليلها ، أي : تقرير عللها نفيا وإثباتا ، والتعليل أخص من الدليل ، إذ كل تعليل دليل ، وليس كل دليل تعليلا ، لجواز أن يكون نصا أو إجماعا ، وإنما ذكرت وجه العموم والخصوص بينهما لئلا يتوهم أن ذكر التعليل مع الدليل تكرار .
والمتن في الأصل الجسم ، ومتنا الظهر : مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم ، ثم استعمله المحدثون في الكلام المروي بالإسناد وقابلوا بينهما ، فقالوا : المتن والإسناد ، ووجه الشبه بينه وبين متن الحيوان أنه لا ثبوت للحديث بدون متنه ، كما لا ثبوت للحيوان بدون متنه ، واستعملته أنا هاهنا فيما ذكرت ، لأن نسبة حكم المسألة إلى دليلها نسبة لفظ الحديث إلى إسناده ، من جهة أن الحكم لا يثبت إلا بدليله ، كما أن اللفظ لا يثبت إلا بإسناده .