فصل
وقد يعرض للقسم الأول أن يعد من الثاني ، ويتصور ذلك في كالفقيه يبني فقهه على مسألة نحوية مثلا ، فيرجع إلى تقريرها مسألة - كما يقررها النحوي - لا مقدمة مسلمة ، ثم يرد مسألته الفقهية إليها ، والذي كان من شأنه أن يأتي بها على أنها مفروغ منها في علم النحو ، فيبني عليها ، فلما لم يفعل ذلك ، وأخذ يتكلم فيها ، وفي تصحيحها وضبطها ، والاستدلال عليها ، كما يفعله النحوي - صار الإتيان بذلك فضلا غير محتاج إليه ، وكذلك ; إذا افتقر إلى مسألة عددية ، فمن حقه أن يأتي بها مسلمة ليفرع عليها في علمه ; فإن أخذ يبسط القول فيها كما يفعله العددي في علم العدد ، كان فضلا معدودا من الملح إن عد منها ، وهكذا سائر العلوم التي يخدم بعضها بعضا . خلط بعض العلوم ببعض ،
ويعرض أيضا للقسم الأول أن يصير من الثالث ، ويتصور ذلك فيمن يتبجح بذكر المسائل العلمية لمن ليس من أهلها ، أو ذكر كبار المسائل لمن لا يحتمل عقله إلا صغارها ، على ضد التربية المشروعة ، فمثل هذا يوقع في مصائب ، ومن أجلها قال علي - رضي الله عنه - " حدثوا الناس بما يفهمون ، [ ص: 124 ] أتحبون أن يكذب الله ورسوله " ، وقد يصير ذلك فتنة على بعض السامعين حسبما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب .
وإذا عرض للقسم الأول أن يعد من الثالث ، فأولى أن يعرض للثاني أن يعد من الثالث ، لأنه أقرب إليه من الأول .
فلا يصح للعالم في التربية العلمية إلا المحافظة على هذه المعاني ، وإلا لم يكن مربيا ، واحتاج هو إلى عالم يربيه .
ومن هنا لا يسمح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد ; حتى يكون ريان من علم الشريعة ، أصولها وفروعها ، منقولها ومعقولها ، غير مخلد إلى التقليد ، والتعصب للمذهب ; فإنه إن كان هكذا خيف عليه أن ينقلب عليه ما أودع فيه فتنة بالعرض ، وإن كان حكمة بالذات ، والله الموفق للصواب .