[ ص: 315 ] المسألة الثالثة
وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=28085المتشابه الواقع في الشريعة على ضربين .
أحدهما : حقيقي والآخر إضافي ، وهذا فيما يختص بها نفسها ، وثم ضرب آخر راجع إلى المناط الذي تتنزل عليه الأحكام .
فالأول هو المراد بالآية ، ومعناه راجع إلى أنه لم يجعل لنا سبيل إلى فهم معناه ولا نصب لنا دليل على المراد منه ، فإذا نظر المجتهد في أصول الشريعة ، وتقصاها وجمع أطرافها لم يجد فيها ما يحكم له معناه ولا ما يدل على مقصوده ، ومغزاه ولا شك في أنه قليل لا كثير ، وعلى ذلك دلت الأدلة السابقة في أول المسألة ولا يكون إلا فيما لا يتعلق به تكليف سوى مجرد الإيمان به ، وهذا مذكور في فصل البيان والإجمال ، وفي نحو من هذا نزلت آية آل عمران
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب [ آل عمران : 7 ] حين قدم
وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 316 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : بعد ما ذكر منهم جملة ، ووصف من شأنهم ، وهم من
النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم يريد في شأن
عيسى يقولون هو الله ; لأنه كان يحيي الموتى ، و يبرئ الأسقام ، ويخبر بالغيوب ، ويخلق من الطين كهيئة الطير ، ثم ينفح فيه فيكون طيرا ، ويقولون هو ولد الله ; لأنه لم يكن له أب يعلم ، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه ولد آدم قبله ، ويقولون هو ثالث ثلاثة لقول الله فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا ولو كان واحدا لما قال : إلا فعلت ، وقضيت ، وأمرت ، وخلقت ولكنه هو
وعيسى ومريم .
قال : ففي كل ذلك من أمرهم قد نزل القرآن يعني صدر سورة آل عمران إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ آل عمران : 64 ] ففي الحكاية مما نحن فيه أنهم ما قدروا الله حق قدره ; إذ قاسوه بالعبيد فنسبوا له الصاحبة والولد ، وأثبتوا للمخلوق مالا يصلح إلا للخالق ، ونفوا عن الخالق القدرة على خلق إنسان من غير أب ، وكان الواجب عليهم الإيمان بآيات الله ، وتنزيهه عما لا يليق به فلم يفعلوا ، بل حكموا على الأمور الإلهية بمقتضى
[ ص: 317 ] آرائهم فزاغوا عن الصراط المستقيم .
[ ص: 315 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28085الْمُتَشَابِهَ الْوَاقِعَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : حَقِيقِيٌّ وَالْآخَرُ إِضَافِيٌّ ، وَهَذَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهَا نَفْسِهَا ، وَثَمَّ ضَرْبٌ آخَرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَنَاطِ الَّذِي تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ .
فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ ، وَمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لَنَا سَبِيلٌ إِلَى فَهْمِ مَعْنَاهُ وَلَا نُصِبَ لَنَا دَلِيلٌ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ ، فَإِذَا نَظَرَ الْمُجْتَهِدُ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَتَقَصَّاهَا وَجَمَعَ أَطْرَافَهَا لَمْ يَجِدْ فِيهَا مَا يَحْكُمُ لَهُ مَعْنَاهُ وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِهِ ، وَمَغْزَاهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَلِيلٌ لَا كَثِيرٌ ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ السَّابِقَةُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ سِوَى مُجَرَّدِ الْإِيمَانِ بِهِ ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي فَصْلِ الْبَيَانِ وَالْإِجْمَالِ ، وَفِي نَحْوٍ مِنْ هَذَا نَزَلَتْ آيَةُ آلِ عِمْرَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [ آلِ عِمْرَانَ : 7 ] حِينَ قَدِمَ
وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 316 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْهُمْ جُمْلَةً ، وَوَصَفَ مِنْ شَأْنِهِمْ ، وَهُمْ مِنَ
النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافٍ مِنْ أَمْرِهِمْ يُرِيدُ فِي شَأْنِ
عِيسَى يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَ يُبْرِئُ الْأَسْقَامَ ، وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ ، وَيَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ، ثُمَّ يَنْفَحُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا ، وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ بِشَيْءٍ لَمْ يَصْنَعْهُ وَلَدُ آدَمَ قَبْلَهُ ، وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ فَعَلْنَا وَأَمَرْنَا وَخَلَقْنَا وَقَضَيْنَا وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا لَمَا قَالَ : إِلَّا فَعَلْتُ ، وَقَضَيْتُ ، وَأَمَرْتُ ، وَخَلَقْتُ وَلَكِنَّهُ هُوَ
وَعِيسَى وَمَرْيَمَ .
قَالَ : فَفِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ يَعْنِي صَدْرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ آلِ عِمْرَانَ : 64 ] فَفِي الْحِكَايَةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ أَنَّهُمْ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ; إِذْ قَاسُوهُ بِالْعَبِيدِ فَنَسَبُوا لَهُ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ ، وَأَثْبَتُوا لِلْمَخْلُوقِ مَالَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلْخَالِقِ ، وَنَفَوْا عَنِ الْخَالِقِ الْقُدْرَةَ عَلَى خَلْقِ إِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانَ بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَتَنْزِيهَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلُوا ، بَلْ حَكَمُوا عَلَى الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ بِمُقْتَضَى
[ ص: 317 ] آرَائِهِمْ فَزَاغُوا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ .