[ ص: 328 ] المسألة الخامسة  
تسليط التأويل على التشابه   فيه تفصيل ، فلا يخلو أن يكون من المتشابه الحقيقي ، أو من الإضافي ، فإن كان من الإضافي ، فلا بد منه إذا تعين بالدليل كما بين العام بالخاص والمطلق بالمقيد والضروري بالحاجي ، وما أشبه ذلك ; لأن مجموعهما هو المحكم ، وقد مر بيانه ، وأما إن كان من الحقيقي فغير لازم تأويله ; إذ قد تبين في باب الإجمال والبيان أن المجمل لا يتعلق به تكليف إن كان موجودا ; لأنه إما أن يقع بيانه بالقرآن الصريح ، أو بالحديث الصحيح ، أو بالإجماع القاطع ، أو لا ، فإن وقع بيانه بأحد هذه ، فهو من قبيل الضرب الأول من التشابه ، وهو الإضافي ، وإن لم يقع بشيء من ذلك ، فالكلام في مراد الله تعالى من غير هذه الوجوه تسور على ما لا يعلم ، وهو غير محمود .  
وأيضا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المقتدين بهم لم يعرضوا لهذه الأشياء ولا تكلموا فيها بما يقتضي تعيين      [ ص: 329 ] تأويل من غير دليل ، وهم الأسوة والقدوة ، وإلى غير ذلك ، فالآية مشيرة إلى ذلك بقوله تعالى :  فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه      [ آل عمران : 7 ] الآية ، ثم قال :  والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا      [ آل عمران : 7 ] ، وقد ذهب جملة من متأخري الأمة إلى تسليط التأويل عليها أيضا رجوعا إلى ما يفهم من اتساع العرب في كلامها من جهة الكناية والاستعارة والتمثيل ، وغيرها من أنواع الاتساع تأنيسا للطالبين ، وبناء على استبعاد الخطاب بما لا يفهم مع إمكان الوقوف على قوله :  والراسخون في العلم   وهو أحد القولين للمفسرين منهم  مجاهد  ، وهي مسألة اجتهادية ولكن الصواب من ذلك ما كان عليه السلف ، وقد استدل   الغزالي  على صحة هذا المذهب بأمور ذكرها في كتابه المسمى ب ( إلجام العوام ) فطالعه من هنالك .  
				
						
						
