فصل
وهكذا يقال : في سائر الأحكام مكية كانت ، أو مدنية .
ويدل على ذلك الوجهان الأخيران ، ووجه ثالث ، وهو أن غالب ما ادعي فيه النسخ إذا تأمل وجدته متنازعا فيه ، ومحتملا ، وقريبا من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه من كون الثاني بيانا لمجمل ، أو تخصيصا لعموم ، أو تقييدا لمطلق ، وما أشبه ذلك من وجوه الجمع مع البقاء على الأصل من الإحكام في الأول والثاني .
وقد أسقط ابن العربي من الناسخ والمنسوخ كثيرا بهذه الطريقة ، وقال أجمع أهل العلم على أن زكاة الفطر فرضت ، ثم اختلفوا في نسخها . الطبري
قال ابن النحاس : " فلما ثبتت بالإجماع ، وبالأحاديث الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز أن تزال إلا بالإجماع ، أو حديث يزيلها ، ويبين نسخها ولم [ ص: 341 ] يأت من ذلك شيء " . انتهى المقصود منه .
ووجه رابع يدل على أن تحريم ما هو مباح بحكم الأصل ليس بنسخ عند الأصوليين كالخمر والربا ، فإن تحريمهما بعد ما كانا على حكم الأصل لا يعد نسخا لحكم الإباحة الأصلية ولذلك قالوا في حد النسخ إنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر ، ومثله رفع براءة الذمة بدليل . قلة النسخ ، وندوره
وقد كانوا في الصلاة يكلم بعضهم بعضا إلى أن نزل وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] [ ص: 342 ] وروي أنهم كانوا يلتفتون في الصلاة إلى أن نزل قوله : الذين هم في صلاتهم خاشعون [ المؤمنون : 2 ] [ ص: 343 ] قالوا ، وهذا إنما نسخ أمرا كانوا عليه ، وأكثر القرآن على ذلك ، معنى هذا أنهم كانوا يفعلون ذلك بحكم الأصل من الإباحة فهو مما لا يعد نسخا ، وهكذا كل ما أبطله الشرع من أحكام الجاهلية .
فإذا اجتمعت هذه الأمور ، ونظرت إلى الأدلة من الكتاب والسنة لم يتخلص في يدك من منسوخها إلا ما هو نادر على أن هاهنا معنى يجب التنبه له ليفهم اصطلاح القوم في النسخ ، وهي .