[ ص: 564 ] المسألة الثامنة عشرة .  
الأمر والنهي يتواردان على الفعل وأحدهما راجع إلى جهة الأصل   والآخر راجع إلى جهة التعاون هل يعتبر الأصل ، أو جهة التعاون ؟  
أما اعتبارهما معا من جهة واحدة ، فلا يصح ولا بد من التفصيل فالأمر إما أن يرجع إلى جهة الأصل ، أو التعاون .  
فإن كان الأول فحاصله راجع إلى قاعدة  سد الذرائع   ، فإنه منع الجائز لئلا يتوسل به إلى الممنوع .  
وقد مر ما فيه ، وحاصل الخلاف فيه أنه يحتمل ثلاثة أوجه .  
أحدها : اعتبار الأصل ; إذ هو الطريق المنضبط والقانون المطرد .  
والثاني : اعتبار جهة التعاون ، فإن اعتبار الأصل مؤد إلى المآل      [ ص: 565 ]  [ ص: 566 ] الممنوع والأشياء إنما تحل وتحرم بمآلاتها ولأنه فتح باب الحيل .  
والثالث : التفصيل ، فلا يخلو أن تكون جهة التعاون غالبة ، أو لا ، فإن كانت غالبة فاعتبار الأصل واجب ; إذ لو اعتبر الغالب هنا لأدى إلى انخرام الأصل جملة ، وهو باطل ، وإن لم تكن غالبة فالاجتهاد .  
وإن كان الثاني : فظاهره شنيع ; لأنه إلغاء لجهة النهي ليتوصل إلى      [ ص: 567 ] المأمور به تعاونا ، وطريق التعاون متأخر في الاعتبار عن طريق إقامة الضروري والحاجي ; لأنه تكميلي ، وما هو إلا بمثابة الغاصب والسارق ليتصدق بذلك على المساكين ، أو يبني قنطرة ولكنه صحيح إذا نزل منزلته ، وهو أن يكون من باب الحكم على الخاصة لأجل العامة كالمنع من  تلقي الركبان   ، فإن منعه في الأصل ممنوع ; إذ هو من باب منع الارتفاق ، وأصله ضروري ، أو حاجي لأجل أهل السوق ، ومنعبيع الحاضر للبادي      ; لأنه في الأصل منع من النصيحة إلا أنه إرفاق لأهل الحضر ، وتضمين الصناع قد يكون من هذا القبيل وله نظائر كثيرة ، فإن جهة التعاون هنا أقوى .  
وقد أشار الصحابة على الصديق ; إذ قدموه خليفة بترك التجارة والقيام بالتحرف على العيال لأجل ما هو أعم في التعاون ، وهو القيام بمصالح المسلمين ، وعوضه من ذلك في بيت المال ، وهذا النوع صحيح كما تفسر ، والله أعلم .  
				
						
						
