[ ص: 18 ] المسألة الثالثة
لا كلام في أن للعموم صيغا وضعية ، والنظر في هذا مخصوص بأهل العربية ، وإنما ينظر هنا في أمر آخر وإن كان من مطالب أهل العربية أيضا ، ولكنه أكيد التقرير هاهنا ، وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=21136للعموم الذي تدل عليه الصيغ بحسب الوضع نظرين : أحدهما : باعتبار ما تدل عليه الصيغة في أصل وضعها على الإطلاق ، وإلى هذا النظر قصد الأصوليين ; فلذلك يقع التخصيص عندهم بالعقل والحس وسائر المخصصات المنفصلة .
[ ص: 19 ] والثاني : بحسب المقاصد الاستعمالية التي تقضي العوائد بالقصد إليها ، وإن كان أصل الوضع على خلاف ذلك .
وهذا الاعتبار استعمالي ، والأول قياسي .
والقاعدة في الأصول العربية أن الأصل الاستعمالي إذا عارض الأصل القياسي كان الحكم للاستعمالي .
وبيان ذلك هنا أن العرب قد تطلق ألفاظ العموم بحسب ما قصدت تعميمه مما يدل عليه معنى الكلام خاصة ، دون ما تدل عليه تلك الألفاظ بحسب الوضع الإفرادي ; كما أنها أيضا تطلقها وتقصد بها تعميم ما تدل عليه في أصل الوضع ، وكل ذلك مما يدل عليه مقتضى الحال ; فإن المتكلم قد يأتي بلفظ عموم مما يشمل بحسب الوضع نفسه وغيره ، وهو لا يريد نفسه ولا يريد أنه داخل في مقتضى العموم ، وكذلك قد يقصد بالعموم صنفا مما يصلح اللفظ له في أصل الوضع ، دون غيره من الأصناف ، كما أنه قد يقصد
[ ص: 20 ] ذكر البعض في لفظ العموم ، ومراده من ذكر البعض الجميع ; كما تقول : فلان يملك المشرق والمغرب ، والمراد جميع الأرض ، وضرب زيد الظهر والبطن ، ومنه
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=17رب المشرقين ورب المغربين [ الرحمن : 17 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله [ الزخرف : 84 ] فكذلك إذا قال : من دخل داري أكرمته ; فليس المتكلم بمراد ، وإذا قال : أكرمت الناس ، أو قاتلت الكفار ; فإنما المقصود من لقي منهم ; فاللفظ عام فيهم خاصة ، وهم المقصودون باللفظ العام دون من لم يخطر بالبال .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13110ابن خروف : " ولو حلف رجل بالطلاق والعتق ليضربن جميع من في الدار وهو معهم فيها ، فضربهم ولم يضرب نفسه ; لبر ولم يلزمه شيء ، ولو قال : اتهم الأمير كل من في المدينة فضربهم ; فلا يدخل الأمير في التهمة والضرب قال : " فكذلك لا يدخل شيء من صفات الباري تعالى تحت الإخبار في نحو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] لأن العرب لا تقصد ذلك ولا تنويه ، ومثله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282والله بكل شيء عليم [ البقرة : 282 ] وإن كان عالما بنفسه وصفاته ، ولكن الإخبار إنما وقع عن جميع المحدثات ، وعلمه بنفسه وصفاته شيء آخر " قال : فكل ما وقع الإخبار به من نحو هذا ، فلا تعرض فيه لدخوله تحت
[ ص: 21 ] المخبر عنه ; فلا تدخل صفاته تعالى تحت الخطاب ، وهذا معلوم من وضع اللسان فالحاصل أن العموم إنما يعتبر بالاستعمال ، ووجوه الاستعمال كثيرة ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان فإن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها [ الأحقاف : 25 ] لم يقصد به أنها تدمر السماوات والأرض والجبال ، ولا المياه ولا غيرها مما هو في معناها ، وإنما المقصود تدمر كل شيء مرت عليه مما شأنها أن تؤثر فيه على الجملة ، ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم [ الأحقاف : 25 ] وقال في الآية الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=42ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم [ الذاريات : 25 ] ومن الدليل على هذا أنه لا يصح استثناء هذه الأشياء بحسب اللسان ; فلا يقال من دخل داري أكرمته إلا نفسي أو أكرمت الناس إلا نفسي ، ولا قاتلت الكفار إلا من لم ألق منهم ، ولا ما كان نحو ذلك ، وإنما يصح الاستثناء من غير المتكلم ممن دخل الدار ، أو ممن لقيت من الكفار ، وهو الذي يتوهم دخوله لو لم يستثن ، هذا كلام العرب في التعميم ; فهو إذا الجاري في عمومات الشرع .
[ ص: 22 ] وأيضا ; فطائفة من أهل الأصول نبهوا على هذا المعنى ، وأن ما لا يخطر ببال المتكلم عند قصده التعميم إلا بالإخطار لا يحمل لفظه عليه ; إلا مع الجمود على مجرد اللفظ ، وأما المعنى ; فيبعد أن يكون مقصودا للمتكلم ; كقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337745أيما إهاب دبغ فقد طهر قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : " خروج الكلب عن ذهن المتكلم والمستمع عند التعرض للدباغ ليس ببعيد ، بل هو الغالب الواقع ، ونقيضه هو الغريب المستبعد " وكذا قال غيره أيضا ، وهو موافق لقاعدة العرب ، وعليه يحمل كلام الشارع بل لابد
[ ص: 23 ] فإن قيل : إذا ثبت أن اللفظ العام ينطلق على جميع ما وضع له في الأصل حالة الإفراد ، فإذا حصل التركيب والاستعمال ; فإما أن تبقى دلالته على ما كانت عليه حالة الانفراد ، أو لا ، فإن كان الأول ; فهو مقتضى وضع اللفظ ، فلا إشكال ، وإن كان الثاني ; فهو تخصيص للفظ العام ،
nindex.php?page=treesubj&link=21172وكل تخصيص لابد له من مخصص عقلي أو نقلي أو غيرهما ، وهو مراد الأصوليين .
ووجه آخر وهو أن العرب حملت اللفظ على عمومه في كثير من أدلة الشريعة ، مع أن معنى الكلام يقتضي على ما تقرر خلاف ما فهموا ، وإذا كان فهمهم في سياق الاستعمال معتبرا في التعميم حتى يأتي دليل التخصيص دل على أن الاستعمال لم يؤثر في دلالة اللفظ حالة الإفراد عندهم ، بحيث صار كوضع ثان ، بل هو باق على أصل وضعه ، ثم التخصيص آت من وراء ذلك بدليل متصل أو منفصل .
[ ص: 24 ] ومثال ذلك أنه لما نزل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ الأنعام : 82 ] الآية شق ذلك عليهم وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال عليه الصلاة والسلام "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337746إنه ليس بذاك ألا تسمع إلى قول لقمان nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم [ لقمان : 13 ] وفي رواية فنزلت
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم [ لقمان : 13 ] ومثل ذلك أنه لما نزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [ الأنبياء : 98 ] قال بعض الكفار : فقد عبدت الملائكة وعبد
المسيح فنزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=101إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية [ الأنبياء : 101 ] إلى
nindex.php?page=treesubj&link=27848أشياء كثيرة سياقها يقتضي بحسب المقصد الشرعي عموما أخص من عموم اللفظ ، وقد فهموا فيها مقتضى اللفظ وبادرت أفهامهم فيه ، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ، ولولا أن الاعتبار عندهم ما وضع له اللفظ في الأصل ; لم يقع منهم فهمه .
فالجواب عن الأول أنا إذا اعتبرنا الاستعمال العربي ; فقد تبقى دلالته الأولى وقد لا تبقى ، فإن بقيت ; فلا تخصيص ، وإن لم تبق دلالته ; فقد صار للاستعمال اعتبار آخر ليس للأصل ، وكأنه وضع ثان حقيقي لا مجازي ، وربما
[ ص: 25 ] أطلق بعض الناس على مثل هذا لفظ " الحقيقة اللغوية " إذا أرادوا أصل الوضع ، ولفظ الحقيقة العرفية إذا أرادوا الوضع الاستعمالي ، والدليل على صحته ما ثبت في أصول العربية من أن للفظ العربي أصالتين : أصالة قياسية ، وأصالة استعمالية ; فللاستعمال هنا أصالة أخرى غير ما للفظ في أصل الوضع وهي التي وقع الكلام فيها ، وقام الدليل عليها في مسألتنا ; فالعام إذا في الاستعمال لم يدخله تخصيص بحال .
وعن الثاني أن الفهم في عموم الاستعمال متوقف على فهم المقاصد فيه ، وللشريعة بهذا النظر مقصدان : أحدهما : المقصد في الاستعمال العربي الذي أنزل القرآن بحسبه ، وقد تقدم القول فيه .
والثاني : المقصد في الاستعمال الشرعي الذي تقرر في سور القرآن
[ ص: 26 ] بحسب تقرير قواعد الشريعة ، وذلك أن نسبة الوضع الشرعي إلى مطلق الوضع الاستعمالي العربي كنسبة الوضع في الصناعات الخاصة إلى الوضع الجمهوري ; كما نقول في الصلاة : إن أصلها الدعاء لغة ، ثم خصت في الشرع بدعاء مخصوص على وجه مخصوص ، وهي فيه حقيقة لا مجاز ; فكذلك نقول في ألفاظ العموم بحسب الاستعمال الشرعي : إنها إنما تعم الذكر بحسب مقصد الشارع فيها ، والدليل على ذلك مثل الدليل على الوضع الاستعمالي المتقدم الذكر ، واستقراء مقاصد الشارع يبين ذلك ، مع ما ينضاف إليه في مسألة إثبات الحقيقة الشرعية .
فأما الأول ; فالعرب فيه شرع سواء ; لأن القرآن نزل بلسانهم .
وأما الثاني : فالتفاوت في إدراكه حاصل ; إذ ليس الطارئ الإسلام من العرب في فهمه كالقديم العهد ، ولا المشتغل بتفهمه وتحصيله كمن ليس في تلك الدرجة ، ولا المبتدئ فيه كالمنتهي
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [ المجادلة : 11 ] فلا مانع من توقف بعض الصحابة في بعض ما يشكل أمره ، ويغمض وجه القصد الشرعي فيه ; حتى إذا تبحر في إدراك معاني الشريعة نظره ، واتسع في ميدانها باعه ; زال عنه ما وقف من الإشكال واتضح له القصد الشرعي على الكمال ، فإذا تقرر وجه الاستعمال ; فما ذكر مما توقف فيه بعضهم راجع إلى هذا القبيل ، ويعضده ما فرضه الأصوليون من وضع
[ ص: 27 ] الحقيقة الشرعية ; فإن الموضع يستمد منها ، وهذا الوضع وإن كان قد جيء به مضمنا في الكلام العربي ; فله مقاصد تختص به يدل عليها المساق الحكمي أيضا ، وهذا المساق يختص بمعرفته العارفون بمقاصد الشارع ، كما أن الأول يختص بمعرفته العارفون بمقاصد العرب ; فكل ما سألوا عنه فمن [ هذا ] القبيل إذا تدبرته .
[ ص: 18 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
لَا كَلَامَ فِي أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيَغًا وَضْعِيَّةً ، وَالنَّظَرُ فِي هَذَا مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ هُنَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَطَالِبِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا ، وَلَكِنَّهُ أَكِيدُ التَّقْرِيرِ هَاهُنَا ، وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21136لِلْعُمُومِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الصِّيَغُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ نَظَرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِاعْتِبَارِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الصِّيغَةُ فِي أَصْلِ وَضْعِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِلَى هَذَا النَّظَرِ قَصْدُ الْأُصُولِيِّينَ ; فَلِذَلِكَ يَقَعُ التَّخْصِيصُ عِنْدَهُمْ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَسَائِرِ الْمُخَصَّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ .
[ ص: 19 ] وَالثَّانِي : بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ الِاسْتِعْمَالِيَّةِ الَّتِي تَقْضِي الْعَوَائِدُ بِالْقَصْدِ إِلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْوَضْعِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .
وَهَذَا الِاعْتِبَارُ اسْتِعْمَالِيٌّ ، وَالْأَوَّلُ قِيَاسِيٌّ .
وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأُصُولِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِعْمَالِيَّ إِذَا عَارَضَ الْأَصْلَ الْقِيَاسِيَّ كَانَ الْحُكْمُ لِلِاسْتِعْمَالِيِّ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ هُنَا أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُطْلِقُ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ بِحَسَبِ مَا قَصَدَتْ تَعْمِيمَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ خَاصَّةً ، دُونَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ الْإِفْرَادِيِّ ; كَمَا أَنَّهَا أَيْضًا تُطْلِقُهَا وَتَقْصِدُ بِهَا تَعْمِيمَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقْتَضَى الْحَالِ ; فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَأْتِي بِلَفْظِ عُمُومٍ مِمَّا يَشْمَلُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ نَفْسَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مُقْتَضَى الْعُمُومِ ، وَكَذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُ بِالْعُمُومِ صِنْفًا مِمَّا يَصْلُحُ اللَّفْظُ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَصْنَافِ ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ
[ ص: 20 ] ذِكْرَ الْبَعْضِ فِي لَفْظِ الْعُمُومِ ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذِكْرِ الْبَعْضِ الْجَمِيعَ ; كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ يَمْلِكُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ ، وَالْمُرَادُ جَمِيعَ الْأَرْضِ ، وَضُرِبَ زَيْدٌ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ ، وَمِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=17رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [ الرَّحْمَنِ : 17 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [ الزُّخْرُفِ : 84 ] فَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ ; فَلَيْسَ الْمُتَكَلِّمُ بِمُرَادٍ ، وَإِذَا قَالَ : أَكْرَمْتُ النَّاسَ ، أَوْ قَاتَلْتُ الْكُفَّارَ ; فَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ ; فَاللَّفْظُ عَامٌّ فِيهِمْ خَاصَّةً ، وَهُمُ الْمَقْصُودُونَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ دُونَ مَنْ لَمْ يَخْطُرْ بِالْبَالِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13110ابْنُ خَرُوفٍ : " وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لَيَضْرِبَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي الدَّارِ وَهُوَ مَعَهُمْ فِيهَا ، فَضَرَبَهُمْ وَلَمْ يَضْرِبْ نَفْسَهُ ; لَبَرَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ قَالَ : اتَّهَمَ الْأَمِيرُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهُمْ ; فَلَا يَدْخُلُ الْأَمِيرُ فِي التُّهَمَةِ وَالضَّرْبِ قَالَ : " فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي تَعَالَى تَحْتَ الْإِخْبَارِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [ الزُّمَرِ : 62 ] لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقْصِدُ ذَلِكَ وَلَا تَنْوِيهِ ، وَمِثْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : 282 ] وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَلَكِنَّ الْإِخْبَارَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ جَمِيعِ الْمُحْدَثَاتِ ، وَعِلْمُهُ بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ شَيْءٌ آخَرُ " قَالَ : فَكُلُّ مَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ نَحْوِ هَذَا ، فَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ
[ ص: 21 ] الْمُخْبَرِ عَنْهُ ; فَلَا تَدْخُلُ صِفَاتُهُ تَعَالَى تَحْتَ الْخِطَابِ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ وَضْعِ اللِّسَانِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمُومَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَوُجُوهُ الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرَةٌ وَلَكِنَّ ضَابِطَهَا مُقْتَضَيَاتُ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ مِلَاكُ الْبَيَانِ فَإِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [ الْأَحْقَافِ : 25 ] لَمْ يُقْصَدْ بِهِ أَنَّهَا تُدَمِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ ، وَلَا الْمِيَاهَ وَلَا غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ مِمَّا شَأْنُهَا أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [ الْأَحْقَافِ : 25 ] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=42مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ الذَّارِيَاتِ : 25 ] وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِحَسَبِ اللِّسَانِ ; فَلَا يُقَالُ مِنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ إِلَّا نَفْسِي أَوْ أَكْرَمْتُ النَّاسَ إِلَّا نَفْسِي ، وَلَا قَاتَلْتُ الْكُفَّارَ إِلَّا مَنْ لَمْ أَلْقَ مِنْهُمْ ، وَلَا مَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ مِمَّنْ دَخَلَ الدَّارَ ، أَوْ مِمَّنْ لَقِيتُ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَهُوَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ لَوْ لَمْ يُسْتَثْنَ ، هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ فِي التَّعْمِيمِ ; فَهُوَ إِذًا الْجَارِي فِي عُمُومَاتِ الشَّرْعِ .
[ ص: 22 ] وَأَيْضًا ; فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ نَبَّهُوا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، وَأَنَّ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ قَصْدِهِ التَّعْمِيمَ إِلَّا بِالْإِخْطَارِ لَا يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَيْهِ ; إِلَّا مَعَ الْجُمُودِ عَلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ ، وَأَمَّا الْمَعْنَى ; فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ ; كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337745أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ : " خُرُوجُ الْكَلْبِ عَنْ ذِهْنِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُسْتَمِعِ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِلدِّبَاغِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ ، بَلْ هُوَ الْغَالِبُ الْوَاقِعُ ، وَنَقِيضُهُ هُوَ الْغَرِيبُ الْمُسْتَبْعَدُ " وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ أَيْضًا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَاعِدَةِ الْعَرَبِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِعِ بَلْ لَابُدَّ
[ ص: 23 ] فَإِنْ قِيلَ : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَنْطَلِقُ عَلَى جَمِيعِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْأَصْلِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ ، فَإِذَا حَصَلَ التَّرْكِيبُ وَالِاسْتِعْمَالُ ; فَإِمَّا أَنْ تَبْقَى دَلَالَتُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ ، أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ; فَهُوَ مُقْتَضَى وَضْعِ اللَّفْظِ ، فَلَا إِشْكَالَ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي ; فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلَّفْظِ الْعَامِّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21172وَكُلُّ تَخْصِيصٍ لَابُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ عَقْلِيٍّ أَوْ نَقْلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَهُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ حَمَلَتِ اللَّفْظَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ ، مَعَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ يَقْتَضِي عَلَى مَا تَقَرَّرَ خِلَافَ مَا فَهِمُوا ، وَإِذَا كَانَ فَهْمُهُمْ فِي سِيَاقِ الِاسْتِعْمَالِ مُعْتَبَرًا فِي التَّعْمِيمِ حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ عِنْدَهُمْ ، بِحَيْثُ صَارَ كَوَضْعٍ ثَانٍ ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ ، ثُمَّ التَّخْصِيصُ آتٍ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ .
[ ص: 24 ] وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [ الْأَنْعَامِ : 82 ] الْآيَةَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337746إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ لُقْمَانَ : 13 ] وَفِي رِوَايَةٍ فَنَزَلَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ لُقْمَانَ : 13 ] وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 98 ] قَالَ بَعْضُ الْكُفَّارِ : فَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَعُبِدَ
الْمَسِيحُ فَنَزَلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=101إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى الْآيَةَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 101 ] إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=27848أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ سِيَاقُهَا يَقْتَضِي بِحَسَبِ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ عُمُومًا أَخَصَّ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ ، وَقَدْ فَهِمُوا فِيهَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَبَادَرَتْ أَفْهَامُهُمْ فِيهِ ، وَهُمُ الْعَرَبُ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ ، وَلَوْلَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ فِي الْأَصْلِ ; لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ فَهْمُهُ .
فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّا إِذَا اعْتَبَرْنَا الِاسْتِعْمَالَ الْعَرَبِيَّ ; فَقَدْ تَبْقَى دَلَالَتُهُ الْأُولَى وَقَدْ لَا تَبْقَى ، فَإِنْ بَقِيَتْ ; فَلَا تَخْصِيصَ ، وَإِنْ لَمْ تَبْقَ دَلَالَتُهُ ; فَقَدْ صَارَ لِلِاسْتِعْمَالِ اعْتِبَارٌ آخَرُ لَيْسَ لِلْأَصْلِ ، وَكَأَنَّهُ وَضْعٌ ثَانٍ حَقِيقِيٌّ لَا مَجَازِيٌّ ، وَرُبَّمَا
[ ص: 25 ] أَطْلَقَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَفْظَ " الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ " إِذَا أَرَادُوا أَصْلَ الْوَضْعِ ، وَلَفْظَ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ إِذَا أَرَادُوا الْوَضْعَ الِاسْتِعْمَالِيَّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنَّ لِلَّفْظِ الْعَرَبِيِّ أَصَالَتَيْنِ : أَصَالَةٌ قِيَاسِيَّةٌ ، وَأَصَالَةٌ اسْتِعْمَالِيَّةٌ ; فَلِلِاسْتِعْمَالِ هُنَا أَصَالَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا لِلَّفْظِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهَا ، وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَتِنَا ; فَالْعَامُّ إِذًا فِي الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ بِحَالٍ .
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْفَهْمَ فِي عُمُومِ الِاسْتِعْمَالِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فَهْمِ الْمَقَاصِدِ فِيهِ ، وَلِلشَّرِيعَةِ بِهَذَا النَّظَرِ مَقْصِدَانِ : أَحَدُهُمَا : الْمَقْصِدُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِحَسَبِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ .
وَالثَّانِي : الْمَقْصِدُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي سُوَرِ الْقُرْآنِ
[ ص: 26 ] بِحَسَبِ تَقْرِيرِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ إِلَى مُطْلَقِ الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالِيِّ الْعَرَبِيِّ كَنِسْبَةِ الْوَضْعِ فِي الصِّنَاعَاتِ الْخَاصَّةِ إِلَى الْوَضْعِ الْجُمْهُورِيِّ ; كَمَا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ : إِنَّ أَصْلَهَا الدُّعَاءُ لُغَةً ، ثُمَّ خُصَّتْ فِي الشَّرْعِ بِدُعَاءٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ، وَهِيَ فِيهِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ ; فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ : إِنَّهَا إِنَّمَا تَعُمُّ الذِّكْرَ بِحَسَبِ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِيهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُ الدَّلِيلِ عَلَى الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالِيِّ الْمُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ ، وَاسْتِقْرَاءُ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ ، مَعَ مَا يَنْضَافُ إِلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ إِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ .
فَأَمَّا الْأَوَّلُ ; فَالْعَرَبُ فِيهِ شَرَعٌ سَوَاءٌ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَالتَّفَاوُتُ فِي إِدْرَاكِهِ حَاصِلٌ ; إِذْ لَيْسَ الطَّارِئُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْعَرَبِ فِي فَهْمِهِ كَالْقَدِيمِ الْعَهْدِ ، وَلَا الْمُشْتَغِلُ بِتَفَهُّمِهِ وَتَحْصِيلِهِ كَمَنْ لَيْسَ فِي تِلْكَ الدَّرَجَةِ ، وَلَا الْمُبْتَدِئُ فِيهِ كَالْمُنْتَهِي
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ الْمُجَادَلَةِ : 11 ] فَلَا مَانِعَ مِنْ تَوَقُّفِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ مَا يُشْكِلُ أَمْرُهُ ، وَيَغْمُضُ وَجْهُ الْقَصْدِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ ; حَتَّى إِذَا تَبَحَّرَ فِي إِدْرَاكِ مَعَانِي الشَّرِيعَةِ نَظَرُهُ ، وَاتَّسَعَ فِي مَيْدَانِهَا بَاعُهُ ; زَالَ عَنْهُ مَا وَقَفَ مِنَ الْإِشْكَالِ وَاتَّضَحَ لَهُ الْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ عَلَى الْكَمَالِ ، فَإِذَا تَقَرَّرَ وَجْهُ الِاسْتِعْمَالِ ; فَمَا ذُكِرَ مِمَّا تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْقَبِيلِ ، وَيُعَضِّدُهُ مَا فَرَضَهُ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ وَضْعِ
[ ص: 27 ] الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ ; فَإِنَّ الْمَوْضِعَ يَسْتَمِدُّ مِنْهَا ، وَهَذَا الْوَضْعُ وَإِنْ كَانَ قَدْ جِيءَ بِهِ مُضَمَّنًا فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ ; فَلَهُ مَقَاصِدُ تَخْتَصُّ بِهِ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمَسَاقُ الْحُكْمِيُّ أَيْضًا ، وَهَذَا الْمَسَاقُ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْعَارِفُونَ بِمَقَاصِدِ الشَّارِعِ ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْعَارِفُونَ بِمَقَاصِدِ الْعَرَبِ ; فَكُلُّ مَا سَأَلُوا عَنْهُ فَمِنْ [ هَذَا ] الْقَبِيلِ إِذَا تَدَبَّرْتَهُ .