[ ص: 124 ] المسألة التاسعة  
الواجبات لا تستقر واجبات إلا إذا لم يسو بينها وبين غيرها من الأحكام فلا تترك ولا يسامح في تركها ألبتة ، كما أن المحرمات لا تستقر كذلك إلا إذا لم يسو بينها وبين غيرها من الأحكام ; فلا تفعل ولا يسامح في فعلها ، وهذا ظاهر ، ولكنا نسير منه إلى معنى آخر ، وذلك أن من الواجبات ما إذا تركت لم يترتب عليها حكم دنيوي ، وكذلك من المحرمات ما إذا فعلت لم يترتب عليها أيضا حكم في الدنيا ، ولا كلام في مترتبات الآخرة ; لأن ذلك خارج عن تحكمات العباد .  
كما أن من الواجبات ما إذا تركت ومن المحرمات ما إذا فعلت ترتب عليهما حكم دنيوي من عقوبة أو غيرها .  
فما ترتب عليه حكم يخالف ما لم يترتب عليه حكم ; فمن حقيقة استقرار كل واحد من القسمين أن لا يسوى بينه وبين الآخر ; لأن في تغيير أحكامها تغييرها في أنفسها ; فكل ما يحذر في عدم البيان في الأحكام المتقدمة يحذر هنا لا فرق بين ذلك والأدلة التي تقدمت هنالك يجري مثلها هنا .  
ويتبين هذا الموضع أيضا بأن يقال : إذا وضع الشارع حدا في فعل مخالف فأقيم ذلك الحد على المخالف ; كان الحكم الشرعي فيه مقررا مبينا فإذا لم يقم فقد أقر على غير ما أقره الشارع ، وغير إلى الحكم المخالف الذي لا يترتب عليه مثل ذلك الحكم ، ووقع بيانه مخالفا ; فيصير المنتصب      [ ص: 125 ] لتقرير الأحكام قد خالف قوله فعله ; فيجري فيه ما تقدم ، فإذا رأى الجاهل ما جرى ; توهم الحكم الشرعي على خلاف ما هو عليه ، فإذا قرر المنتصب الحكم على وجه ثم أوقع على وجه آخر ; حصلت الريبة ، وكذب الفعل القول كما تقدم بيانه ، وكل ذلك فساد ، وبهذا المثال يتبين أن وارث النبي يلزمه إجراء الأحكام على موضوعاتها ; في أنفسها ، وفي لواحقها ، وسوابقها ، وقرائنها ، وسائر ما يتعلق بها شرعا ; حتى يكون دين الله بينا عند الخاص والعام ، وإلا ; كان من الذين قال الله تعالى فيهم :  إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى   الآية [ البقرة : 159  
				
						
						
