[ ص: 154 ] فصل  
ومن ذلك  معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل   ، وإن لم يكن ثم سبب خاص لابد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه ، وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة ويكفيك من ذلك ما تقدم بيانه في النوع الثاني من كتاب المقاصد ; فإن فيه ما يثلج الصدر ويورث اليقين في هذا المقام ، ولابد من ذكر أمثلة تعين على فهم المراد وإن كان مفهوما : أحدها قول الله تعالى :  وأتموا الحج والعمرة لله      [ البقرة : 196 ] فإنما أمر بالإتمام دون الأمر بأصل الحج لأنهم كانوا قبل الإسلام آخذين به ، لكن على تغيير بعض الشعائر ، ونقص جملة منها ; كالوقوف  بعرفة   وأشباه ذلك مما غيروا ، فجاء الأمر بالإتمام لذلك ، وإنما جاء إيجاب الحج نصا في قوله تعالى :  ولله على الناس حج البيت      [ آل عمران : 97 ] وإذا عرف هذا تبين هل في الآية دليل على إيجاب الحج أو إيجاب العمرة ، أم لا ؟ والثاني : قوله تعالى :  ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا      [ البقرة : 286 ] نقل عن  أبي يوسف  أن ذلك في الشرك لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر      [ ص: 155 ] فيريد أحدهم التوحيد فيهم فيخطئ بالكفر ; فعفا لهم عن ذلك كما عفا لهم عن النطق بالكفر عند الإكراه ، قال فهذا على الشرك ، ليس على الأيمان في الطلاق والعتاق والبيع والشراء ، لم تكن الأيمان بالطلاق والعتاق في زمانهم والثالث : قوله تعالى  يخافون ربهم من فوقهم      [ النحل : 50 ]  أأمنتم من في السماء      [ تبارك : 16 ] وأشباه ذلك ، إنما جرى على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض ، وإن كانوا مقرين بإلهية الواحد الحق ; فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيها على نفي ما ادعوه في الأرض ; فلا يكون فيه دليل على إثبات جهة ألبتة ، ولذلك قال تعالى :  فخر عليهم السقف من فوقهم      [ النحل : 26 ] فتأمله واجر على هذا المجرى في سائر الآيات والأحاديث .  
والرابع : قوله تعالى :  وأنه هو رب الشعرى      [ النجم : 49 ] فعين هذا الكوكب لكون العرب عبدته ، وهم  خزاعة   ابتدع ذلك لهم  أبو كبشة  ، ولم تعبد العرب من الكواكب غيرها ; فلذلك عينت  
				
						
						
