أبو حفص النيسابوري
الإمام القدوة الرباني ، شيخ خراسان ، أبو حفص ، عمرو بن سلم ، وقيل : عمر ، وقيل : عمرو بن سلمة ، النيسابوري الزاهد .
روى عن حفص بن عبد الرحمن الفقيه .
أخذ عنه : تلميذه أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري ، وأبو جعفر أحمد بن حمدان الحافظ ، وحمدون القصار ، وطائفة .
قال أبو نعيم : حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، حدثنا أبي قال : قال الأستاذ أبو حفص : المعاصي بريد الكفر ، كما أن الحمى بريد الموت .
وحدثنا أبو عمرو بن حمدان قال : كان أبو حفص حدادا ، فكان غلامه ينفخ عليه الكير مرة ، فأدخل أبو حفص يده ، فأخرج الحديد من النار ، [ ص: 511 ] فغشي على الغلام ، فترك أبو حفص الحانوت ، وأقبل على أمره .
وقيل : إن أبا حفص دخل على مريض ، فقال المريض : آه ، فقال أبو حفص : ممن؟ فسكت . فقال أبو حفص : مع من؟ قال : فكيف أقول؟ قال : لا يكن أنينك شكوى ، ولا سكوتك تجلدا ، ولكن بين ذلك .
وعن أبي حفص قال : حرست قلبي عشرين سنة ، ثم حرسني عشرين سنة ، ثم وردت علي وعليه حالة صرنا محروسين جميعا .
قيل لأبي حفص : من الولي ؟ قال : من أيد بالكرامات ، وغيب عنها .
قال الخلدي سمعت الجنيد ذكر أبا حفص النيسابوري ، فقال صاحب للحلاج : نعم يا أبا القاسم ، كانت له حال إذا لبسته مكث اليومين والثلاثة ، لا يمكن أحد أن ينظر إليه ، فكانوا يدعونه حتى يزول ذلك عنه .
وبلغني أنه أنفد في يوم واحد بضعة عشر ألف دينار يفتك بها أسرى ، فلما أمسى لم يكن له عشاء .
قال المرتعش : دخلت مع أبي حفص على مريض ، فقال : ما تشتهي ؟ قال : أن أبرأ . فقال لأصحابه : احملوا عنه . فقام معنا ، وأصبحنا نعاد في الفرش .
قال السلمي : أبو حفص كان حدادا ، وهو أول من أظهر طريقة التصوف بنيسابور . [ ص: 512 ]
سمعت عبد الله بن علي ، سمعت أبا عمرو بن علوان ، وسألته : هل رأيت أبا حفص عند الجنيد ؟ فقال : كنت غائبا ، لكن سمعت الجنيد يقول : أقام أبو حفص عندي سنة مع ثمانية ، فكنت أطعمهم طعاما طيبا -وذكر أشياء من الثياب- فلما أرادوا السفر كسوتهم . فقال لي : لو جئت إلى نيسابور علمناك السخاء والفتوة . ثم قال : عملك كان فيه تكلف ، إذا جاء الفقراء فكن معهم بلا تكلف ، إن جعت جاعوا ، وإن شبعت شبعوا .
قال الخلدي : لما قال أبو حفص للجنيد : لو دخلت نيسابور علمناك كيف الفتوة ، قيل له : ما الذي رأيت منه ؟ قال : صير أصحابي مخنثين ، كان يتكلف لهم الألوان ، وإنما الفتوة ترك التكلف .
وقيل : كان في خدمة أبي حفص شاب يلزم السكوت ، فسأله الجنيد عنه ، فقال : هذا أنفق علينا مائة ألف ، واستدان مائة ألف ما سألني مسألة إجلالا لي .
قال أبو علي الثقفي : كان أبو حفص يقول : من لم يزن أحواله كل وقت بالكتاب والسنة ، ولم يتهم خواطره ، فلا تعده .
وفي " معجم بغداد " للسلفي ، قيل : قدم ولدان لأبي حفص النيسابوري ، فحضرا عند الجنيد ، فسمعا قوالين ، فماتا . فجاء أبوهما ، وحضرعند القوالين ، فسقطا ميتين . ابن نجيد : سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول : كان أبو حفص نور الإسلام في وقته .
وعن أبي حفص : ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء ، ولا لمحه بقلبه . [ ص: 513 ]
وعنه : الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها ، والإقبال على الله بحاجتك إليه . أحسن ما يتوسل به العبد إلى مولاه الافتقار إليه ، وملازمة السنة ، وطلب القوت من حله .
توفي الأستاذ أبو حفص سنة أربع وستين ومائتين . وقيل : سنة خمس . -رحمة الله عليه .