الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 133 ] قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177) [قال البخاري ] : وقول الله عز وجل: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب إلى قوله: وأولئك هم المتقون

                                                                                                                                                                                          وأمور الإيمان: خصاله وشعبه المتعددة .

                                                                                                                                                                                          واستدل البخاري بقوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177) . وقد سأل أبو ذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان . فتلا عليه هذه الآية . وهذا يدل على أن الخصال المذكورة فيها، هي خصال الإيمان المطلق، فإذا أطلق الإيمان دخل فيه كل ما ذكر في هذه الآية، كما سأل السائل عن الإيمان، فتلا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية . وإذا قرن الإيمان بالعمل، فقد يكون من باب عطف الخاص على العام . وقد يكون المراد بالإيمان حينئذ التصديق بالقلب، وبالعمل عمل الجوارح . كما ذكر في هذه الآية الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، ثم عطف عليه أعمال الجوارح . [ ص: 134 ] والبر يطلق بمعنيين

                                                                                                                                                                                          : أحدهما: بمعنى الإحسان إلى الناس، كما يقال: البر والصلة، وضده العقوق . وفي "صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن البر، فقال: "البر: حسن الخلق" . وكان ابن عمر - رضي الله عنها - يقول: إن البر شيء هين: وجه طليق، وكلام لين .

                                                                                                                                                                                          المعنى الثاني: مما يراد بالبر فعل الطاعات كلها، وضده الإثم، وقد فسر الله تعالى البر بذلك في قوله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177) . فتضمنت الآية أن أنواع البر ستة أنواع، من استكملها فقد استكمل البر .

                                                                                                                                                                                          أولها: الإيمان بأصول الإيمان الخمسة .

                                                                                                                                                                                          وثانيها: إيتاء المال المحبوب لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب .

                                                                                                                                                                                          وثالثها: إقام الصلاة .

                                                                                                                                                                                          ورابعها: إيتاء الزكاة .

                                                                                                                                                                                          وخامسها: الوفاء بالعهد .

                                                                                                                                                                                          وسادسها: الصبر على البأساء والضراء وحين البأس . [ ص: 135 ] وقال إبراهيم التيمي : ما من عبد وهبه الله صبرا على الأذى، وصبرا على البلاء وصبرا على المصائب، إلا وقد أوتي فضلا، ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله عز وجل . وهذا منتزع من قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177) والمراد بالبأساء: الفقر ونحوه، وبالضراء . المرض ونحوه . وحين البأس: حال الجهاد .

                                                                                                                                                                                          وقال عمر بن عبد العزيز : ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه . فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزع منه، ثم تلا: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وكان بعض الصالحين في جيبه ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها، وفيها مكتوب: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا

                                                                                                                                                                                          والصبر الجميل هو أن يكتم العبد المصيبة ولا يخبر بها .

                                                                                                                                                                                          قال طائفة من السلف في قوله تعالى: فصبر جميل قال: لا شكوى معه .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية