الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 337 ] قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا

                                                                                                                                                                                          [قال البخاري ] : "كتاب الغسل "، وقول الله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا إلى قوله: لعلكم تشكرون وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى إلى قوله: عفوا غفورا

                                                                                                                                                                                          صدر البخاري - رحمه الله - "كتاب الغسل " بهاتين الآيتين، لأن غسل الجنابة مذكور فيهما . أما قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا فأمر للجنب إذا قام إلى الصلاة أن يتطهر . وتطهر الجنب هو غسله، كما في تطهر الحائض إذ انقطع دمها، ولهذا قال تعالى: ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن والمراد بتطهرهن: اغتسالهن عند جمهور العلماء، فلا يباح وطؤها حتى تغتسل، وسيأتي تفسير الآية في "كتاب الحيض " - إن شاء الله تعالى . وأما قوله تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا فنهي عن قربان الجنب الصلاة حتى يغتسل، فصرح هنا بالغسل، وهو تفسير التطهير المذكور في آية المائدة . وهل المراد: نهي الجنب عن قربان الصلاة حتى يغتسل، إلا أن يكون [ ص: 338 ] مسافرا - وهو عابر السبيل -، فيعدم الماء، فيصلي بالتيمم; أو المراد: نهي الجنب عن قربان موضع الصلاة - وهو المسجد - إلا عابر سبيل فيه . غير جالس فيه، ولا لابث; هذا مما اختلف فيه المفسرون من السلف . وبكل حال; فالآية تدل على أن الجنب ما لم يغتسل منهي عن الصلاة، أو عن دخول المسجد، وأن استباحة ذلك يتوقف على الغسل، فيستدل به على وجوب الغسل على الجنب إذا أراد الصلاة، أو دخول المسجد .

                                                                                                                                                                                          * * *

                                                                                                                                                                                          وقد تأول طائفة من الصحابة قول الله عز وجل: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا بأن المراد: النهي عن قربان موضع الصلاة - وهو المسجد - في حال الجنابة، إلا أن يكون عابر سبيل، وهو المجتاز به من غير لبث فيه . وقد روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وأنس - رضي الله عنهم - . وفي "المسند" عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سد أبواب المسجد غير باب علي . قال: "فيدخل المسجد جنبا، وهو طريقه ليس له طريق غيره " . وروى ابن أبي شيبة بإسناده، عن العوام، أن عليا كان يمر في المسجد وهو جنب . [ ص: 339 ] وبإسناده، عن جابر ، قال: كان أحدنا يمشي في المسجد وهو جنب . مجتازا . وخرجه - أيضا - سعيد بن منصور وابن خزيمة في "صحيحه " . وعن زيد بن أسلم ، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون في المسجد، وهم جنب . خرجه ابن المنذر وغيره .

                                                                                                                                                                                          * * *

                                                                                                                                                                                          وخرج ابن أبي حاتم من رواية قيس، عن خصيف، عن مجاهد ، في قوله تعالى: وإن كنتم مرضى قال: نزلت في رجل من الأنصار . كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فيناوله، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية