هناك جملة من الوصايا والآداب ينبغي لمن عزم على الحج أن يراعيها وأن يحرص عليها، حتى يؤدي نسكه على الوجه المشروع، ويكون حجه مبروراً متقبلاً، وأول هذه الآداب والوصايا أن يقصد الحاج بحجه وجه الله عز وجل والدار الآخرة، فيخلص النية لله ، ولا يقصد بحجه الرياء أو السمعة، فإن الإخلاص هو أساس الأعمال، وعليه مدار القبول، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (البينة:5) وفي الحديث المتفق عليه: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
ثم على المسلم إذا أراد الحج أن يستخير الله عز وجل، وهذه الاستخارة لا ترجع إلى نفس الحج فإن الحج خير كله، وإنما ترجع إلى الوقت والرفقة وحال الشخص وغير ذلك من الأمور التي تدخلها الاستخارة، فيصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو دعاء الاستخارة المعروف، ويستشير كذلك من يثق بدينه وعلمه وخبرته.
وعلى الحاج أن يصلح ما بينه وبين الله عز وجل بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي، وأن يصلح ما بينه وبين الخلق بالتحلل من حقوق العباد ورد المظالم والودائع وقضاء الديون أو الاستئذان من أصحابها.
ومن الآداب أيضاً أن يكتب العبد وصيته قبل سفره، فإن السفر مظنة تعرض الإنسان للأخطار والمشاق، فيبين فيها ما له وما عليه، ويوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين -وفي رواية- ثلاثَ ليال إلا ووصيته مكتوبة عنده) متفق عليه.
وعليه أن يختار لحجه النفقة الطيبة والمال الحلال، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، لذا كان من موانع إجابة الدعاء أكل الحرام.
كما عليه أن يتفقه في أحكام السفر والحج والعمرة، وأن يسأل عما أشكل عليه من ذلك، فيعرف شروط الحج وواجباته وأركانه وسننه، حتى يعبد الله على بصيرة ولا يقع فيما يفسد عليه حجه أو ينقص أجره، ويستعين في ذلك بأن يأخذ ما يحتاجه من الكتب والأشرطة التي تبين أحكام الحج، وأن يصاحب أهل العلم والخبرة بالمناسك وأوقاتها وأماكنها.
وينبغي على الحاج أن يختار الرفقة الصالحة التي تعينه إذا ضعف، وتذكره إذا غفل، وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وأن يحذر من مصاحبة البطالين الذين لا يراعون حرمات الله، ولا يعظمون شعائر الله، فيضيعون عليه أشرف الأوقات فيما لا ينفع ولا يفيد.
كما ينبغي عليه أن يحرص على الالتزام بآداب السفر وأدعيته، فيدعو دعاء السفر، ويكبر كلما صعد مرتَفَعاً، ويسبح كلما هبط وادياً، ويدعو بدعاء نزول منازل الطريق، وغير ذلك من الأدعية والآداب المذكورة في كتب أهل العلم، وإذا كانوا جماعة فعليهم أن يؤمِّروا أميراً ويطيعوه في غير معصية الله.
ومن الآداب التي يجب على الحاج مراعاتها حفظ اللسان عما حرم الله من غيبة ونميمة وسب وشتم وجدال بالباطل، وكذلك غض البصر عن محارم الله، فليتق الحاج ربه وليعظم حرمات الله، ولا يرجع من حجه بالذنوب والأوزار كما قال القائل واصفاً من هذا حاله:
يحج لكي ما يغفر الله ذنبه فيرجعُ قد حُطَّت عليه ذنوبُ
وعلى المرأة المسلمة أن تحرص على الستر والعفاف، وأن تحذر من التبرج والسفور ومخالطة الرجال ومزاحمتهم، كما عليها أن تتفقه في أحكام الحج المختصة بالنساء، وأن تسأل عما يشكل عليها في ذلك.
وينبغي على الحاج -كذلك- أن يكون رحيماً رفيقاً بإخوانه من الحجاج، وذلك بالحرص على راحتهم، وإرشاد ضالهم، وتعليم جاهلهم، والابتعاد عن كل ما فيه أذيتهم، والصبر على ما يصدر من بعضهم، إلى غير ذلك مما هو من محاسن الأخلاق وكريم الطباع.
كما أن عليه أن يحرص على أداء الصلوات المكتوبة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، وأن يحذر من تأخيرها عن وقتها.
واعلم أخي الحاج أن مما يعينك على التزام هذه الآداب أن تستشعر عظمة الزمان والمكان، فإن ذلك أدعى إلى أن تؤدي المناسك بخضوع وإجلال لله جل وعلا، قال سبحانه: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(الحج :32)، ولتتذكر أيضاً أنها أيام قليلة معدودة، سرعان ما تنقضي وتذهب، فاحرص على اغتنام الأوقات واللحظات فيما يقربك من ربك جل.