ورد في الحج الكثير من الأحاديث الدالة على عظيم فضله، وجزيل أجره وثوابه عند الله عز وجل، وجاء في بعض الأحاديث وصف الحج التام بالحج المبرور، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
ومن أجل ذلك فإنك بحاجة -أخي الحاج- إلى أن تتعرف على علامات الحج المبرور، وما هي الأمور التي يتحقق بها بر الحج حتى تقوم بها؟ وما هي الأمور التي تنافي ذلك حتى تجتنبها؟ فالناس يتفاوتون في حجهم تفاوتاً عظيماً على حسب قربهم وبعدهم من هذه الصفات والعلامات.
وقد ذكر أهل العلم أقوالاً في معنى الحج المبرور، كلها متقاربة المعنى، ترجع إلى معنى واحد وهو: "أنه الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل".
وأول الأمور التي يكون بها الحج مبروراً، ميزان الأعمال وأساس قبولها عند الله وهو إخلاص العمل لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتُغِيَ به وجْهُه، فعليك -أخي الحاج- أن تفتش في نفسك، وأن تتفقد نيتك، ولتحذر كل الحذر من أي نية فاسدة تضاد الإخلاص، وتحبط العمل، وتذهب الأجر والثواب، كالرياء والسمعة وحب المدح والثناء والمكانة عند الخلق، فقد حج نبينا عليه الصلاة والسلام على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم ثم قال : (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة) كما عند ابن ماجه.
ثم احرص على أن تكون أعمال حجك موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ولن يتحقق لك ذلك إلا بأن تتعلم مناسك الحج وواجباته وسننه، وصفة حجه عليه الصلاة والسلام، فهو القائل كما في حديث جابر رضي الله عنه: (لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري، لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) رواه مسلم.
ومن الأمور التي تعين العبد على أن يكون حجه مبروراً الإعداد وتهيئة النفس قبل الحج، وذلك بالتوبة النصوح، واختيار النفقة الحلال والرفقة الصالحة، وأن يتحلل من حقوق العباد، إلى غير ذلك مما هو مذكور في آداب الحج.
ومن علامات الحج المبرور طيب المعشر، وحسن الخلق، وبذل المعروف، والإحسان إلى الناس بشتى وجوه الإحسان، من كلمة طيبة، أو إنفاق للمال، أو تعليم لجاهل، أو إرشاد لضال، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين".
ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج -كما يقول ابن رجب- ما وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم أبا جُرَيٍّ الهجيمي حين قال له: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض) رواه أحمد.
واعلم أن مما يتحقق به بر الحج الاستكثار من أنواع الطاعات، والبعد عن المعاصي والمخالفات، فقد حث الله عباده على التزود من الصالحات وقت أداء النسك، فقال سبحانه في آيات الحج: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197)، ونهاهم عن الرفث والفسوق والجدال في الحج فقال عز وجل: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (البقرة:197)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه، و(الرفث) هو الجماع وما دونه من فاحش القول وبذيئه، وأما الفسوق فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف أنه المعاصي بجميع أنواعها، والجدال هو المِراء بغير حق ، فينبغي عليك -أخي الحاج- إذا أردت أن يكون حجك مبروراً أن تلزم طاعة ربك، وذلك بالمحافظة على الفرائض، وشغل الوقت بكل ما يقربك من الله جل وعلا من ذكر ودعاء وقراءة قرآن وغير ذلك من أبواب الخير، وأن تحفظ حدود الله ومحارمه، فتصون سمعك وبصرك ولسانك عما لا يحل لك.
ومن الأمور التي تعين العبد على أن يكون حجه مبروراً، أن يستشعر حِكم الحج وأسراره، وفرقٌ كبير بين من يحج وهو يستحضر أنه يؤدي شعيرة من شعائر الله، وأن هذه المواقف قد وقفها قبله الأنبياء والعلماء والصالحون، فيذكر بحجه يوم يجتمع العباد للعرض على الله، وبين من يحج على سبيل العادة، أو للسياحة والنزهة، أو لمجرد أن يسقط الفرض عنه، أو ليقال: "الحاج فلان".
وأخيراً، فإن من علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه فيلزم طاعة ربه، ويكون بعد الحج أحسن حالاً منه قبله، فإن ذلك من علامات قبول الطاعة، قال بعض السلف: "علامة بر الحج أن يزداد بعده خيراً، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة".
أخي الحاج! هذه هي أهم صفات الحج المبرور وعلاماته، فاجتهد في طلبها وتحصيلها، عسى أن تفوز بثواب الله ورضوانه، أسأل الله أن يجعل حجك مبروراً، وذنبك مغفوراً، وسعيك مشكوراً.