الحِساء المُتَّخذ من دقيق الشعير بنُخالته يسمى تلبينة، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنَّه يُطبَخ صحاحًا، والتلبينة تُطبَخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه؛ لِخُروج خاصيَّة الشعير بالطحن.
وقد ورد في التلبينة ما روته أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت إذا مات الميت من أهلها اجتمع لذلك النساء ثم تفرَّقنَ إلا أهلها، أمرَتْ ببرمة من تلبينة، فطُبِختْ وصنعتْ ثريدًا، ثم صبَّت التلبينة عليه، ثم قالت: كلن منها؛ فإني سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: (التلبينة مجمَّةٌ لفؤاد المريض، تَذهَب ببعض الحزن) متفق عليه.
نذكر هذا الحديث الشريف الدال على إعجاز السنة النبوية المطهرة، في وقت ظهرت فيه الصيحات العالميَّة الحديثة التي تدعونا إلى أنْ نأخُذ دَواءَنا وغِذاءَنا من الطبيعة، حيث نجد أن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - دعا إلى ذلك منذُ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، من خِلال طعامٍ أوصى به لأهل الميت يُذهِب عنهم الحزن.
وإذا نظَرْنا إلى الشعير كآيةٍ من آيات الله سبحانه وتعالى ونبتٍ ممَّا أخرجه لنا من الأرض، فمن المهم أن نعلم أن الشعير نباتٌ عشبي يُشبِه في شكله العام نبات القمح، وهو أقدم غذاء للإنسان، وكان الشعير في القرن السادس عشر المصدر الرئيسي لدقيق خبز الإنسان، الذي يُعتَبر أهمَّ غذاء للإنسان منذ أوَّل عهد البشرية، وإذا نظرنا إلى خُبز القمح فإنَّ الدقيق الأبيض الفاخر هو المسؤول عن السمنة، ومن ثَمَّ أمراض القلب وتصلُّب الشرايين والسكري وارتفاع ضغط الدم وغيرها.
وقديمًا كان الخبز المصنوع من الشعير أوَّل غذاء عرفه الإنسان، وكان له غذاء ودواء ووقاية، وكان العرب والبدو يعتمدون عليه، وهو خبز صحي يمنحهم القوَّة والنشاط ويُعِينهم على تحمُّل ظروف الحياة الصعبة، ويَحمِيهم من كثيرٍ من الأمراض، ولكنْ للأسف بدَأ العرب والبدو يتَّجِهون إلى خُبز القمح الفاخر، على الرغم من أنَّ المركَّبات الكيمائيَّة والعناصر الغذائيَّة والفيتامينات الموجودة في دقيق الشعير كافية لجعل خبز الشعير أصحَّ وأصلحَ من غيره.
ذلك لأنَّ محصول الشعير له قيمة غذائيَّة عاليَّة؛ حيث من الممكن أنْ تصل فيه نسبة البروتين أعلى من محاصيل الحبوب الأخرى، وهو أيضًا يحتوي على بعض الألياف التي لها قيمة صحيَّة عالية، وأيضًا باحتوائه على بعض المركَّبات الكيميائيَّة التي تُساعِد على خفْض نسبة الكولسترول في الدم، مثل: مادة "بيتا جلوكان"، وتحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامين "هـ" التي لها القُدرة على تَثبِيط إنزيمات التخليق الحيوي للكولسترول؛ لذلك فإنَّ حُبوب الشعير تُعتَبر علاجًا للقلب ومقوِّية له.
إنَّ الدراسات العلميَّة الحديثة عندما تستخدم كلمة "تخفف من حالات الاكتئاب"، نجد أنَّ لها في المقابل من حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : (تذهب ببعض الحزن)، فانظُر إلى دقَّة تعبير رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - الذي أُوتِي جوامعَ الكَلِم!
إضافة إلى ذلك فإن معظم الأبحاث العلميَّة التي أُجرِيتْ على الشعير كانت دائمًا تظهر إيجابيَّات استخدامه في التغذية، ولم تظهر أي سلبية واحدة على الإطلاق، وإذا نظرنا إلى الأمراض التي أخذَتْ تنتشر انتشارًا كبيرًا بين الناس الآن، مثل: أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة الكولسترول في الدم، والضعف العام وسُوء التغذية والسكري والإمساك، والبول السكري والأرق، وغيرها من كلِّ هذه الأمراض، نجد أن الحلُّ فيها أنْ يكون غذاء الإنسان دواءه في نفس الوقت؛ حتى يكون دواءً طبيعيًّا قليل التكلفة؛ حتى يناسب جميع الناس ولا يكلفنا عَناء ومشقَّة اللجوء إلى الأدوية الكيماويَّة، ولا يصيبنا الملل من تناوُله، ويَفِي بكثيرٍ من احتياجاتنا، ولكن كيف يتحقَّق ذلك؟
يتحقَّق من خِلال اتِّباع سنَّة الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تناوُل الغذاء الصحي المتوازن ومنه الشعير، واتِّباع هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تناوُل خبز الشعير "بأنْ يكون شعيرًا غير منخول؛ أي: بطحن حبَّة الشعير كاملةً"، فنأخذ من خِلاله الجرعات المتوازنة من العناصر الغذائيَّة التي تحفَظُ حَياتنا وصحَّتنا ووقايتنا من الأمراض على مرِّ الزمان، وكذلك باتِّباع ما أوصى به الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند المرض والحزن.
وما زال العلم الحديث يُثبِت كلَّ يومٍ مَدَى صحَّة قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هديه، وسنَّته، وإعجاز كلامه.