الحكمة التاسعة
قال بديع الزمان النُّورْسي:
إن صوم رمضان من حيث كسرُه الربوبية الموهومة للنفس كسراً مباشراً، ومن ثَمَّ تعريفها عبوديتها، وإظهار عجزها أمامها، فيه حِكَم كثيرة، منها: أن النفس لا تريد أن تعرف ربها، بل تريد أن تدعي الربوبية بفرعونية طاغية، فإن عُذِّبت وقُهرت، فإن عِرق تلك الربوبية الموهومة يظل باقياً فيها، فلا يتحطم ذلك العِرق، ولا يركع إلا أمام سلطان الجوع.
وهكذا، فصيام رمضان المبارك يُنـزل ضربة قاضية مباشرة على الناحية الفرعونية للنفس، فيكسر شوكتها، مُظْهِراً لها عَجْزها، وضعفها، وفقرها، ويُعرِّفها عبوديتها. وقد قيل: إن الله سبحانه قال للنفس: "من أنا، وما أنتِ؟"، فأجابت النفس: "أنا أنا، أنت أنت"، فعذبها الرب سبحانه، وألقاها في جهنم، ثم سألها مرة أخرى، فأجابت: "أنا أنا، أنتَ أنتَ"، ومهما أذاقها من صنوف العذاب، لم تُردع عن أنانيتها...ثم عذبها الله تعالى بالجوع، أي تركها جائعة، ثم سألها مرة أخرى: "من أنا، وما أنتِ؟"، فأجابت النفس: "أنتَ ربيَ الرحيم، وأنا عبدك العاجز".